خطأ، بل جريمة، أن يقاس تقدم الدول بعدد جامعاتها.. أو بعدد خريجيها.. بل مستوى ونوعية هذا التعليم، هو الذى يحدد تقدم أو تأخر الدول.
وأرى، وبكل وضوح، أن جريمة انحدار مستوى التعليم عندنا بدأت مع ثورة يوليو 1952، لأن هذه الثورة كانت «تعشق الأرقام» حتى قيل عنها- وعنا - إننا نمتلك أقوى قوة عسكرية فى المنطقة.. وإن اقتصادنا هو الأكبر.. وإن.. وإن.. وبالتالى لا يمكن أن نقبل أى تصنيف يعتمد على الأرقام المجردة.. وكم جامعة عندنا أو كم طالباً يدرسون فى مدارسنا وجامعاتنا.. لأن «الثورة» توسعت «فى العدد» ولم تتوسع فى نوعية التعليم.. إذ إن احتياجات الوطن - من التعليم - تتغير من فترة إلى أخرى.. ولم نتطور، وظللنا نندفع إلى هذا التوسع العددى دون أى اعتبار لنوع الخريجين الذى يحتاجه الوطن.. وتلك هى الجريمة الكبرى.
وأبرز مثال على خطأ هذه السياسة أننا لم نقم بدراسة حقيقية عن احتياجات سوق العمل، داخل مصر وخارجها.. وظللنا نجرى وراء التعليم النظرى «آداب، وحقوق، وتجارة، وخدمة اجتماعية» دون أن نعلم أن سوق العمل خارج مصر، لم تعد تبحث، أو تطلب «المصرى» بينما لجأت إلى أبناء الهند وباكستان وبنجلاديش، شرقاً.. وتونس والمغرب غرباً للحصول على ما تحتاجه من القوى العاملة.. وهكذا لم تعد مصر تصدر إلا العمالة اليدوية - الجاهلة - بناء وزراعة - وفواعلية.. وأصبحت السوق حكراً على الطبيب الآسيوى.. والمهندس.. وحتى أسطوات العمل اليدوى من نجارين وسباكين لأنهم عرفوا - بعد أن درسوا - كيف يعدون أبناءهم للقفز على هذه الأعمال.
هنا نصل إلى بيت القصيد.. نقصد مناهج التعليم التى يجب أن تلبى احتياجات الأسواق، داخلياً وخارجياً، ونسينا أن الذى صنع معجزة التحديث فى العالم هم فئة «الفورمان» أى رئيس العمل.. ما بين المهندس.. والعامل البسيط، وخرجنا من هذه البوتقة لأن شبابنا يحلمون بلقب الباشمهندس أو الدكتور.. وحتى هؤلاء لم نعد نعرف كيف نقدمهم لسوق العمل.
ومناهج التعليم المصرى تعرضت للعديد من الهزات.. وتحول الطالب المصرى إلى حقل تجارب.. حتى نظم التعليم نفسها باتت تعيش تحت جو المختبرات.. بعد أن ألغينا النظام القديم وكان يقوم على: الابتدائية وكانت 4 سنوات.. والثانوية وكانت 5 سنوات مع تفريعها إلى أدبى، وعلمى وعلمى رياضة وأدخلنا نظام الإعدادية، بعد شهور قليلة من بدء ثورة يوليو 1952.