الآن استرجع مجلس النواب هيبته ومكانته مرة أخرى، بما فعلته لجنة تقصى الحقائق فى كارثة الصوامع والشون.. وفى تقديرى أن الكبسة التى قامت بها اللجنة تستحق تقديراً خاصاً.. ويبدو أن هذه الكبسة لن تكون الأخيرة فى أى موقع.. وأتصور أن تكون هناك كبسات أخرى على المستشفيات والجامعات والمدارس.. سواء عامة أو خاصة.. نريد أن نشعر أننا انتخبنا نواباً عنّا فى كل موقع عمل!
أود التأكيد أيضاً أن مصر الآن تتحرك كدولة مؤسسات.. من أول مؤسسة الرئاسة، مروراً بمجلس الوزراء كسلطة تنفيذية، ومجلس الشعب كسلطة تشريعية، وانتهاء بالنائب العام، والمحاكم كسلطة قضائية.. فلم يبالغ البعض حين كان يقول إن الرئيس يعمل وحده.. فعلاً كان الرئيس يعمل وحده، بلا مؤسسات أخرى، وكم تمنينا أن تتحرك المؤسسات معاً لوقف نزيف الفساد، خاصة بعد أن بلغ الحلقوم!
مجلس النواب تحرك أخيراً كمجلس رقابى، يراقب الأداء ويضع يده على الداء، ويجرى التحقيق المحايد، ويحيل اللصوص إلى النيابة العامة، بغض النظر عن موقعهم أو حيثياتهم.. مصر كانت تحتاج إلى عمل من هذا النوع.. صحيح عندنا أجهزة رقابية، وأجهزة أمنية، لكن دور البرلمان مهم للغاية فى هذا الشأن.. أيضاً التنسيق بين الأجهزة مهم، لتطويق الفساد وليس لإشاعة جو الرعب أبداً!
لا أتصور أن تكون هناك مصائب بهذا الحجم فى توريد القمح، ثم لا يكون ذلك مطروحاً على مائدة الحوار بين الرئيس ووزير التموين.. من المؤكد هناك حوار.. وقد علمت أن الرئيس شدد على حساب من يتورط فى تجاوزات القمح أياً كان ومهما كان.. الوزير خالد حنفى قال أيضاً، فى السياق نفسه، إن الأجهزة الرقابية بوزارته هى التى اكتشفت المخالفات فى الصوامع وأحالتها للنيابة العامة!
إلى أى مدى أجهزة الوزارة صاحية ويقظة؟.. إلى أى مدى لم يتورط موظفو الوزارة فى فساد من هذا النوع؟.. هذا ما سوف تكشف عنه التحقيقات، سواء كانت تحقيقات برلمانية أو جنائية.. لكن فى كل الأحوال حق الدولة محفوظ فى الشون، كما هو محفوظ فى الاستيلاء على الأراضى.. السبب أن هناك إرادة لدى القيادة السياسية.. فلا تستر على فاسد ولا حرامى.. ولا حماية لأحد.. وزيراً أو خفيراً!
مصر كانت عاوزة كبسة فى كل موقع.. فى الوزارات والهيئات الحكومية.. عاوزة كبسة على الجامعات العامة والخاصة.. عاوزة كبسة على المستشفيات والمدارس.. ينبغى أن تعمل كل الأجهزة بلا تضارب.. مهم أن تعمل بالتنسيق فيما بينها بلا حسابات ولا وساطات ولا حساسيات.. نحن نعوم على بركة فساد.. مصر منهوبة ومسروقة على مدى عقود.. آن الآوان أن يتوقف النزيف فوراً!
مرة أخرى، نحيى لجنة تقصى الحقائق البرلمانية.. فقد أعادت الثقة والاعتبار للمجلس.. وعاد مجلس النواب إلى حضن الشعب.. هذه الكبسة شهادة للبرلمان، وخطوة مهمة فى سبيل وقف نزيف الفساد.. ينبغى أن تتلوها كبسات أخرى فى كل موقع.. بلا حساسيات، وبلا خوف، وبلا تردد.. مصر فعلاً عاوزة كبسة!.