لا تونى بلير سوف يرتاح، بعد اعترافه بتدمير العراق، ولا ضميره سوف يرتاح بالمرة.. سوف تطارده اللعنة وأرواح القتلى.. لن يستطيع النوم، ولن يغفر له التاريخ.. شىء واحد يغفر له، أن نحاكمه كمجرم حرب، وأن ينال جزاءه الرادع.. ما فعله بلير ليس شجاعة، ولا نوعا من الديمقراطية.. فقد اخترعوا كذبة ودمروا وطنا وشردوا أبناءه، وشنقوا حاكمه فى عيد الأضحى.. اعتراف بلير ليس بطولة ولا شجاعة، إنما تمثيلية أخرى!.
تلقيت فى هذا السياق رسالة قوية من الصديق الدكتور يحيى نور الدين طراف.. أظن أن ما كتبه يكفى، ولكنه مع هذا لا يشفى غليلنا.. يقول فى رسالته بعد التحية والسلام: «قال تونى بلير أمام لجنة التحقيق فى حرب العراق إنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن قرار دخول الحرب الذى اتخذه وهو رئيس للوزراء، وقال بالحرف الواحد مخاطباً أعضاء اللجنة (إننى أبدى من الحسرة والندم ما لن تدركوه أبداً)!.
تونى بلير شارك فى تدمير العراق وتفتيته إلى الأبد، وقتل مئات الألوف من العراقيين وتشريد أمثالهم، فتعقد الديمقراطية البريطانية لجنة للتحقيق معه ليبدى أمامها الحسرة والندم. فعلوا ما فعلوا وهم مدركون تماماً لما يفعلون، واخترعوا رواية صفقة اليورانيوم المشع مع النيجر!.
كما اخترع حلفاؤهم الأمريكان رواية أسلحة الدمار الشامل فى العراق، والتى عرض بشأنها كولن باول فيلماً كاذباً عنها أمام مجلس الأمن، فلما نالوا بغيتهم بظلمٍ وبغى وعدوان وهم يعلمون، ومشوا فى ذلك لآخر المشوار ضد إرادة المجتمع الدولى، يقولون لنا (أووبس، أخطأنا فنرجو المعذرة، إننا نادمون)!.
تمثيلية التحقيق مع بلير وإبداؤه الندم والحسرة ليس يفوقها سخافة إلا تمثيلية التحقيق فى تعذيب سجناء جوانتانامو وسجون المخابرات الأمريكية.. فبعد أن عذبهم الأمريكان بكل الطرق التى تفتقت عنها قرائحهم السادية تحت مسمى (تكتيك الاستجواب المكثف)..
حتى قضوا وطرهم منهم، افتعلوا تحقيقاً برلمانياً فى الكونجرس ليضحكوا به علينا وعلى أنفسهم، ويبدوا كذلك الأسف لما اقترفوا، ويعدوا بعدم تكراره»!.
يختتم الدكتور طراف رسالته بقوله: «هذه ديمقراطية الغرب التى يتشدق بها، ويتشدق بها معهم ذيولهم الذين يعيشون بين ظهرانينا، ديمقراطية لا خلاق لها ولا أخلاق لها، يرتكبون بمباركتها أفظع الجرائم وهم يعلمون، ثم يمثلون مشاهد التحقيق والندم وربما الاعتذار!.
واليوم وقد اعترف بلير بأنه أخطأ ونحن نعلم أنه كان يعلم بخطئه وهو يقدم عليه، وكان يكذب على الشعب البريطانى، حتى أنهم حرفوا اسمه بالإنجليزية هناك ليقال بأنه تونى بلير الكذاب، فهل سيكون كل حسابه فى بلد الديمقراطية لدى صاحبة الجلالة، أن يتركوه للزمن يعانى فيه حسرته وندمه، ولا عزاء آنذاك للعراق ولشعبه؟!»
لا أتصور أن تنتهى الحكاية بالاعتذار والندم.. ولا أتصور أن يصبح بلير حراً طليقاً، ولا أتصور أنه كان الشخص الذى يتولى الرباعية الدولية للسلام.. أقل شىء أن يُحاكم هو وبوش، وأقل شىء أن تمنعه الدول العربية من دخولها!.