x

اخبار تونى بلير يكتب: انقلاب «البريكست».. بين خيبة الأمل والانقسام الملىء بالحقد اخبار الأحد 26-06-2016 21:31


قرار الناخبين البريطانيين فى استفتاء، الخميس الماضى، بمغادرة الاتحاد الأوروبى له عواقب واسعة على بريطانيا وأوروبا والعالم. ليوم واحد، حل الشعب البريطانى محل الحكومة، وبنسبة 52% مع الرحيل إلى 48% مع البقاء اتخذ قراره.

كنت أعتقد كرئيس وزراء بريطانيا يوما بأن مستقبل بريطانيا يكمن مع أوروبا. كنت رئيس الوزراء المسؤول عن التشريع المهم للحكم الذاتى فى اسكتلندا بحيث يجعلها تبقى جزءا من المملكة المتحدة، والتفاوض على اتفاق «الجمعة العظيمة» بحيث يسمح لأن تكون أيرلندا الشمالية فى حالة سلام داخل بريطانيا. ولأن نتيجة الاستفتاء وضعت الكثير من هذا فى خطر، فأصبح يوم الجمعة، يوما حزينا على المستوى السياسى والشخصى.

التأثير المباشر للتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبى هو تأثير اقتصادى، وكانت التداعيات سريعة كما كان متوقعا. فعند نقطة واحدة يوم الجمعة، بلغ الجنيه الاسترلينى أدنى مستوى فى 30 عاما مقابل الدولار، كما أن مؤشر الأسهم البريطانية انخفض أكثر من 8%. بالإضافة إلى أن التصنيف الائتمانى للبلاد أصبح مهددا.

على الجانب الآخر، التأثير طويل المدى هو سياسى، وله آثار عالمية، وإذا استمرت الصدمات الاقتصادية، ستتحول التجربة البريطانية إلى مثال تحذيرى، ولكن إذا انحسرت، ستكتسب الحركات الشعبوية فى بلدان أخرى زخما.

كيف حدث هذا؟ وجد اليمين السياسى فى بريطانيا قضية قد تسبب بلبلة فى الجسم السياسى فى جميع أنحاء العالم: وهى الهجرة، جزء من حزب المحافظين، المتحالف مع حزب الاستقلال اليمينى المتطرف، استغل هذا الموضوع وركزت حملتهما لمغادرة أوروبا على تلك القضية. هذه الإستراتيجية كان لا يمكن لها أن تنجح من دون العثور على أرضية مشتركة مع شريحة كبيرة من ناخبى حزب العمال.

أنصار حزب العمال لم يحصلوا على رسالة واضحة من حزبهم، الذى يتزعمه جيريمى كوربين، والذى كان موقفه من البقاء فى الاتحاد مائعا. فقد تم جذبه من قبل الراغبين فى الخروج من الاتحاد الأوروبى، بأن يضع حدا لمشاكل الهجرة، ورأى ناخبون من الحزب أنه مع خطط تخفيض الإنفاق العام، فإن هذا التصويت فرصة لتسجيل احتجاج مناهض للحكومة.

الأحداث داخل بريطانيا التى أدت إلى هذه النتيجة فى استفتاء ستكون عالمية، على الأقل فى الغرب. حركات التمرد من اليسار واليمين، يتظاهرون بأنهم حاملو راية الثورة الشعبية ضد المؤسسة السياسية، يمكن أن ينتشر وينمو فى الحجم والسرعة. والتغطية الإخبارية المليئة بالاستقطاب والمجتزأة تشجع على التمرد، تأثير التضخيم الذى خلق من قبل ثورة وسائل الإعلام الاجتماعى.

كان واضحا بالفعل قبل التصويت من الخروج من الاتحاد الأوروبى أن الحركات الشعبوية الحديثة يمكنها أن تسيطر على الأحزاب السياسية، ما لم يكن واضحا ما إذا كانوا قادرين على السيطرة على دولة مثل بريطانيا. نحن نعرف الآن أنه يمكنهم.

وتمت شيطنة الوسط السياسى وتصويرهم كمجموعة من النخب المتعالية، وأن الناس الذين يقودون هذا التمرد، كما فى حملة خروج بريطانيا أناس عاديين، الأمر الذى يدعو للتندر.

هذه الحملة أساءت استخدام كلمة «خبير» حتى فقدت معناها، وعندما حذر الخبراء من الضرر الاقتصادى الذى سيلحق ببريطانيا بعد خروجها، تم اتهامهم بأنهم «ينشرون الرعب».

تم وصف المهاجرين بمجموعة من اللصوص الذين جاءوا ليسرقوا وظائف وإعانات البريطانيين، رغم أن مهاجرى شرق أوروبا يدفعون ضرائب أكثر بكثير مقابل الإعانة الاجتماعية. وفى النهاية، الهجرة لبريطانيا من خارج الاتحاد الأوروبى لن تتأثر بقرار الاستفتاء.

لقد فقد الاتجاه السياسى الوسطى قوة تأثيره وأدواته الأساسية للتواصل مع الأشخاص الذى يسعى لتمثيلهم، فى المقابل، نشهد تقاربا بين اليمين واليسار المتطرف، اليمين يهاجم المهاجرين، بينما اليسار يلوم البنوك. لكن روح التمرد التى تنفث الغضب ضد من هم فى السلطة وإدمان الإجابات البسيطة الغوغائية للمشكلات المعقدة هى نفسها على الجانبين، وعلاوة على ذلك الكره المشترك للعولمة.

تواجه الآن بريطانيا وأوروبا فترة طويلة من الضبابية السياسية والاقتصادية، حيث تحاول الحكومة أن تتفاوض على مستقبل خارج السوق الوحيدة التى تستوعب نصف بضائع بريطانيا وخدماتها.

هذه الترتيبات الجديدة حتى نكون على مستوى التحدى، يجب أن نتفاوض عليها مع جميع الدول الـ27 الأخرى، مع برلماناتهم الوطنية ومع البرلمان الأوروبى.

بعض هذه البلدان قد تكون متعاونة، لكن البعض الآخر لن يريدوا أن يجعلوا خروج بريطانيا سهلا، من أجل تثبيت أى دولة أخرى تسعى لاتباع نفس الطريق.

بريطانيا دولة قوية، لها شعب عنيد وطاقة إبداع كبيرة، وليس عندى شك فى قدرة البريطانيين على تخطى هذه المحنة، مهما كانت التكلفة. لكن الضغط على المملكة المتحدة أصبح ظاهرا، الناخبون فى اسكتلندا اختاروا بهامش كبير أن يبقوا فى الاتحاد الأوروبى مع تجديد الدعوات بعمل استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا.

وشمال أيرلندا قد استفادت من الحدود المفتوحة مع جمهورية أيرلندا، والآن هذه الحرية مهددة، حيث ستصبح حدود الشمال مع الجنوب هى حدود الاتحاد الأوروبى، الممر الذى يمثل تهديدا لعملية السلام مع شمال أيرلندا.

مبادئ السياسة تستيقظ على واقع سياسى جديد، ونفس النزوات الخطيرة واضحة، فى السياسة الأمريكية أيضا. لكن تحديات العولمة لا يمكن أن نواجهها بالعزلة وإغلاق الحدود. ويجب على الوسط أن يستعيد تأثيره السياسى، ويعيد اكتشاف قدرته على تحليل المشاكل التى نواجهها وإيجاد حلول لها تترفع عن الغضب الشعبوى.

إذا لم ننجح فى هزيمة اليمين واليسار المتطرف قبل أن يدخلوا الأمم الأوروبية فى هذه التجربة الطائشة، ستنتهى مثل كل التجارب السيئة فى التاريخ: فى أحسن الأحوال، خيبة الأمل، وفى أسوأها انقسام ممتلئ بالحقد.

نقلا عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية

ترجمة- مروة الصواف

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية