x

طارق الشناوي الفيلا مصر ومأمون مبارك!! طارق الشناوي الإثنين 11-07-2016 20:32


رأى البعض الحلقة الأخيرة من مسلسل ((مأمون وشركاه)) وكأنها تمسح أخطاء وخطايا 29 حلقة تجرعوها على مضض، كان فيها عادل إمام ينتقل من حكاية إلى أخرى بدون منطق فنى أو فكرى، سوى فقط أنه يريد ملء زمن فارغ، أتصور أن تعاطف الناس مع الحلقة الأخيرة لعب فيه رحيل مأمون دور البطولة، ربما كانت المرة الأولى التى يودعنا فيها عادل إمام على الشاشة، تاركا حسرة فى القلوب، فى أغلب أفلامه كان يرحل صديقه سعيد صالح ويكمل هو من بعده مشوار الانتقام، هذه المرة كان التأثير عميقا، لأن الناس تجاوزت الخط الفاصل بين الواقع والخيال، وهكذا خيم الحزن على البيت المصرى والعربى، برغم أن الرحيل نهاية مستحقة دراميا بل وحتمية، وهى ما يُطلقون عليها فى علم الدراما ((العدالة الشاعرية)) لتصل الرسالة بأن المال لا يستحق كل هذا العناء، طالما أننا من التراب وإلى التراب نعود.

المسلسل لا يلقى أى ظلال فى المعالجة دراميا أو إخراجيا تمنحنا مفاتيح أخرى فى التعاطى معه، حتى قضية التسامح الدينى بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية بل أضاف لها أيضا قرب النهاية البوذية، أحالها إلى مجرد نكتة أو قفشة وسرعان ما تراجع عنها، لأنه فى الحقيقة لم يكن يملك منطقا لمناقشتها، وعندما وجدت الناس أن الإناء خاو لم يصدقوا، قالوا مؤكد أن تحت القبة شيخ وبدأوا فى البحث عن الشيخ.

وهكذا قرروا إضافة أشياء خارج النص وظلاله، ليقرأوا لمحات أخرى لا علاقة لها حقيقة بما نراه، مثل زواج مأمون مجددا من لبلبة التى أدت دور ((حميدة))، فقالوا إن هذا يعنى أن مصر ستعود لمبارك بعد الطلاق الذى يعتبر معادلا موضوعيا لثورة 25 يناير، وكأن الثورة لم تكن حتمية ولكنها مجرد نزوة عابرة وبعدها تهدأ النفوس ((ويا دار ما دخلك شر))، كما أن بخل مأمون وشحه على أسرته، قرأوه باعتباره منتهى الإخلاص لشعبه فهو مأمون أى مؤتمن على مقدرات وطنه وشعبه، وكان يحافظ على كل مليم يدخل جيبه حتى يسلمه بعد ذلك لأسرته المعادل الموضوعى للشعب، كل تفصيلة عابرة قدمها المسلسل صارت ممزوجة بالسياسة، رغم أن مبارك فى الواقع كان يريد فى نهاية مرحلة رئاسته أن يمنح كل شىء فى مصر لابنيه، المال لعلاء والسلطة لجمال، ولم ينس بالطبع الحاشية التى كان يُغدق عليها من مال الدولة بالصفقات المشبوهة، أضف إلى ذلك أن مبارك مدان جنائيا وبحكم قضائى قطعى بالفساد، ينزع عنه بعد عمر طويل الحق فى إقامة جنازة عسكرية، فكيف يُصبح فجأة مأمونا على مقدرات الوطن.

ثم فكر بهدوء، هل من الممكن أن يتحمس عادل لتقديم عمل فنى يدافع عن رئيس أدانته المحكمة؟ عادل ليس هو الفنان الذى يذكر محاسن رئيس خارج السلطة لو كانت له محاسن، فهو لا يعرف سوى التأييد المطلق للنظام القائم، تذكروا فقط كيف كان يمتدح مرسى وهو فى الحكم، وما ذكره عن سماحة مرشد الإخوان بديع، ناهيك عن أنه يعلم جيدا أن النظام الحالى لا يرحب بسيرة مبارك، هل رأيتم الحفل الثالث لثورة 30 يونيو الذى حضره الرئيس السيسى بدار الأوبرا، شاهدنا صور محمد نجيب وعبدالناصر والسادات ولا ذكر أو حتى إشارة عابرة لمبارك، وهو ما تكرر قبل عام فى افتتاح قناة السويس، وهذا يعنى مباشرة أن السيسى لا يريد أن يتذكر حتى اسم مبارك، فهل يتصور أحدكم أن عادل من الممكن أن يكون له رأى آخر.

عادل لا يمكن بأسلوب مباشر أو غير مباشر أن يقصد تبرئة مبارك، وأقول عادل وليس الكاتب يوسف معاطى، لأن الحلقات التى شاهدناها تعبير مباشر عن آراء وقناعات عادل الفكرية والسياسية، يوسف يكتب عادة ما هو على طرف لسان عادل.

لماذا أضاف الناس إذن أشياء وهمية؟ لأنهم غير مصدقين أن يكون هذا هو فقط المسلسل، كما أن هناك بين المصريين من ارتبطت مصالحه بزمن مبارك، ويحمل بالتالى عداء لثورة 25 يناير، فوجدها فرصة لكى يعلن بطريقة غير مباشرة أن مبارك هو مأمون.

لو تأملت قليلا ستكتشف أننا عبر التاريخ كثيرا ما أضفنا أشياء خارج النص، مثل أن نطلق على مصر اسم ((بهية)) وأحيانا ((فاطمة))، أو يصبح عبدالناصر ((وحش)) فى مسرحية على سالم ((انت اللى قتلت الوحش))، أو ((عتريس)) فى رواية ثروت أباظة ((شىء من الخوف))، ونجد مصر ((فؤادة)) ليعلو الهتاف ((جواز عتريس من فؤادة باطل))، كلها قراءات متعسفة يحركها الكبت أحيانا، والمراهقة الفكرية أحيانا، والتهيؤات الشخصية غالبا.

وبمناسبة التهيؤات مرة قالت شريفة فاضل، مد الله فى عمرها، إن ((الريس بيرة)) مؤلف أغنية (السح الدح إمبوه)) عدما كتب لها أغنية ((أسمر يا سمارة يا أبو دم خفيف / حبيتك يا سمارة وأنا قلبى ضعيف)) كان يقصد أن أنور السادات هو الأسمر أبو دم خفيف، وأن جيهان غضبت من تلك الكلمات ولهذا لم يكن مرحبا بمشاركتها فى الحفلات الرسمية بسبب هذا الغزل الصريح، ومرة قال هانى شنودة إن أغنية عدوية ((زحمة يا دُنيا زحمة)) التى لحنها وكتبها حسن أبو عتمان أغضبت الدولة بسبب مقطع ((مولد وصاحبه غايب)) ولأن مبارك هو صاحب المولد فلقد ناصبوا عدوية العداء ومنعوا الأغنية من التداول فى الإذاعة المصرية، وهناك من يقول إن مقطع ((اللى شبكنا يخلصنا)) فى أغنية عبدالحليم ((جانا الهوى)) يحمل اتهاما لعبدالناصر بعد هزيمة 67 ويطالبه بتحمل مسؤولية الخلاص، وغيرها وغيرها من التحليلات التى تخاصم العقل والمنطق.

لا فيلا مأمون أبوالعطا هى مصر، ولا عادل مبارك، ولا لبلبة سوازن، ولا خالد سرحان علاء، ولا خالد سليم جمال، ولا محمد ثروت الذى أدى دور المحامى هو زكريا عزمى، كل ما هنالك أننا عشنا مع عمل فنى ركيك 29 ليلة وبكينا بحرقة على ضياع وقتنا فى الليلة رقم 30 ، بينما مجاذيب المخلوع وجدوها فرصة لكى يدافعوا عن زمن مبارك، ليصبح الفساد شرفا، والتقتير نزاهة!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية