x

محمد كمال الفكرة وراء الكذبة محمد كمال الأحد 10-07-2016 21:09


تمخض تقرير لجنة التحقيق البريطانية عن حرب العراق - والمعروف بتقرير «تشيلكوت» – وولد فأرا. اللجنة التى استمرت فى عملها لمدة سبع سنوات لم تأت بجديد – على الأقل بالنسبة لنا كعرب- وأكدت أن مشاركة حكومة تونى بلير فى الحرب قامت على «كذبة» تتعلق بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.

ما أغفله هذا التقرير - وغيره من تقارير اللجان المشابهة- هو البحث والتقصى عن «الفكرة» وراء هذه «الكذبة»، فالمسألة لم تكن تتعلق بمجرد تدمير أسلحة الدمار الشامل أو استغلال الثروة البترولية، ولكن حرب العراق كان وراءها فكرة نظرية، طورها مجموعة من الباحثين والسياسيين الأمريكيين، ووجدت طريقها إلى عقل وقلب الرئيس بوش الابن، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وكان العراق هو حقل التجربة لهذه الفكرة.

الفكرة ربطت بين الأوضاع الداخلية فى العالم العربى وظهورالإرهاب، واعتبرت أنه لو لم تتدخل الولايات المتحدة لتغيير الداخل العربى، فإن إفرازات هذا الداخل سوف تأتى للولايات المتحدة وتغيرها من الداخل. وأن التدخل الأمريكى يجب أن يأخذ شكل تغير النظم وإعادة بناء الأمم، وإنشاء نظم ديمقراطية كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان وألمانيا، واستنادا لما يعرف بنظرية السلام الديمقراطى، والتى تقوم على أن الدول الديمقراطية لا تدخل فى حروب ضد بعضها البعض، ولا تستخدم الإرهاب ضد الديمقراطيات الأخرى، وبالتالى فإن نشر الديمقراطية يجعل العالم أكثر أمنا وسلاما للولايات المتحدة.

كان العراق هو الساحة لتطبيق هذه النظرية. ولكن الفكرة فشلت بشكل ذريع. وبدلا من أن تصبح نموذجا ديمقراطيا، تحول العراق لنموذج الدولة الفاشلة ومرتعا للإرهاب وعدم الاستقرار.

هذا الفشل لم يمنع باحثين أمريكيين من تطوير فكرة جديدة، أطلق عليها «الدمج يؤدى للاعتدال» واستهدفت تمكين تيار الإسلام السياسى. وكان التبرير النظرى هو أن الإسلاميين هم البديل وأن دمجهم فى العملية السياسية سيؤدى لتحولهم من جماعات راديكالية متشددة إلى قوى معتدلة وديمقراطية. وتبنى أوباما هذه الفكرة أثناء ما عرف بالربيع العربى، وأوصلنا ذلك إلى الكارثة التى ما زلنا نعانى من آثارها إلى اليوم.

قناعتى مما سبق هى الآتى:

1- لا تزال الأفكار لها شأن كبير فى السياسة الخارجية الأمريكية Ideas Matter، ولا يمكن فهم هذه السياسة تجاه العالم العربى استنادا لمفهوم المصالح التقليدية المرتبطة بالبترول وأمن إسرائيل فقط، ولكن من المهم فهم الأفكار التى تتبلور فى مراكز الأبحاث وجماعات المصالح، وتتبناها دوائر الحكم وتصبح محركا للسياسة الأمريكية.

2- فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ومع نهاية نظرية الاحتواء التى حكمت السياسة الأمريكية تجاه الاتحاد السوفيتى والعالم، أصبح العالم العربى هو المجال الأساسى للتنظير وطرح أفكار جديدة للسياسة الأمريكية. ولم يقتصر الأمر على التفكير النظرى بل تحول العالم العربى إلى حقل تجارب لاختبار عدد من هذه لأفكار والنظريات الأمريكية، والتى دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا لها.

3- هذه الأفكار كان لها دائما ظهير عربى من مرتزقة الفكر، وكان محركهم الأساسى هو الانتهازية السياسية.

4- العديد من الباحثين الأمريكيين وخاصة ممن يدعون التخصص بالمنطقة لا يملكون أدوات هذا التخصص من معرفة باللغة والثقافة والتاريخ، ومع ذلك يعتقدون أنهم يملكون الحق الأخلاقى فى تقديم النصائح لشعوب المنطقة ووضع تصور لمستقبلهم.

5- وأخيرا، فإن قوة الأفكار فى الولايات المتحدة وتأثيرها على السياسة الخارجية لا تقل عن قوة السلاح، بل فى أحيان كثيرة هى التى توجه السلاح، ومن ثم فإن تواجدنا الفكرى فى الساحة الأمريكية، وتواصلنا مع مراكز الأبحاث يجب ألا يقل أهمية عن تواجدنا على الساحة السياسية وتواصلنا مع مؤسسات صنع القرار.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية