x

شريف عارف «ترزية» التاريخ شريف عارف الإثنين 11-07-2016 12:07


قبل أيام حققت «المصرى اليوم» واحداً من أهم الانفرادات الصحفية الوثائقية، التي تكشف أحداثاً تاريخية ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن الأضواء. الانفراد كان الحوار المهم الذي أجراه في روما زميلنا الصحفى النابه فادى فرنسيس مع آخر زوجات الملك فاروق الأميرة الايطالية إيرما كاباتشى مينوتولو، التي كشفت خلال الحوار عن أنها كانت الزوجة الثالثة لملك مصر الأسبق بعد الملكتين فريدة وناريمان، وليست عشيقته!

لقد عشنا لعقود طويلة أسرى لسلسلة من عمليات «تزييف التاريخ» المستمرة، التي تحول خلالها الوطنيون إلى خونة، والأثرياء إلى «إقطاعيين» يستعبدون الناس ويتلذذون بتعذيب الفلاحين، والشريفات إلى فتيات ليل أو باحثات عن الهوى أوعلاقات آثمة!.. كُتاب التاريخ «المزيف» تحولوا على مدى العقود الستة الماضية إلى «ترزية» بارعين في الحبكة الدرامية. يصدرون أحكامهم ويستخدمون كل الأدوات المتاحة من الصحافة إلى السينما والمسرح، في تضليل الناس وإصدار أحكام على أشخاص مازالوا موجودين في ذاكرة الشعب بأعمالهم الوطنية ومواقفهم المشرفة. ظهر «كرباج الباشا» في السينما، والرأسماليون وهم يقيمون الليالى الحمراء، والباشوات وهم يتآمرون على مصر.. وفى الحديث عن الظلم حدث ولا حرج !

قبل عشرين عاماً من الآن اختارنى المرحوم الدكتور صلاح قبضايا لكتابة وإعداد مذكرات الحارس الخاص للملك فاروق المرحوم اللواء الغريب الحسينى. أمضيت أياما وجلسات طويلة مع «الحسينى» ما بين القاهرة وبورسعيد مسقط رأسه أسجل ذكرياته مع الملك، التي قرر أن يفضى ببعضها قبل شهور من وفاته، وأصدرتها دار «أخبار اليوم» في كتاب حمل عنوان «سنوات في البلاط الملكى».

هذا الرجل كان الحارس المرافق للملك منذ خروجه – هو وأسرته- يوم ٢٦ يوليو عام ١٩٥٢ من الإسكندرية مستقلاً يخت «محروسة» وحتى ميناء «نابولى» الإيطالى. وعند عودة اليخت وجد الصاغ (الرائد) الغريب الحسينى الصحفى سعيد سنبل ينتظره بميناء الإسكندرية، عارضاً عليه «شيك على بياض» من دار «أخبار اليوم» لكى يختصها – في حلقات مسلسلة- بما دار على اليخت منذ إقلاعه من الإسكندرية وحتى وصوله إلى ميناء نابولى. أدرك الحارس الخاص أن القضية ليست ما دار على السفينة، ولكن «ما سيدور» على صفحات الجرائد من ادعاءات وأكاذيب، وهو الذي أقسم على الولاء للملك حتى آخر لحظة في عمره. رفض الحارس العرض بلباقة، وبعدها بأيام بدأت عمليات التنكيل بكل ضباط الحرس الملكى السابقين رغم أنهم كانوا الأكثر كفاءة على مستوى القوات المسلحة. فصدرت الأوامر بنقله إلى السودان، بينما تقرر تعيين رئيسه اللواء عبدالله النجومى «باشا» الياور الخاص للملك مديراً لحدائق الحيوان بالجيزة!

التنكيل لم يكن بالأشخاص فحسب بل كان بالقصور والأبنية والعمارات التي شيدت في عهد أسرة محمد على. البنايات الفخمة التي صممها أهم مهندسى أوروبا تحولت إلى مدارس ومقار للأجهزة الحكومية أو تمت مصادرتها أو وضعها تحت الحراسة!

روت لى الدكتورة سهير حواس – الخبيرة في عمارة القاهرة الخديوية – واحدة من أغرب الحكايات عن قصر السكاكينى باشا، الذي كان كان يضم عدداً كبيراً من التحف واللوحات والأعمال النادرة، التي تسلمتها لجنة فرض الحراسة. وظل القصر مغلقا حتى نهاية سبعينيات القرن الماضى، وعندما تسلمته لجنة أخرى، وجدت إحدى اللوحات الهامة التي كانت تحتل حائطاً رئيسياً داخل القصر، وقد تم طلاؤها بـ«البوية» وكتب عليها «يعيش الزعيم جمال عبدالناصر» !.. ربما يكون «عبدالناصر» لا ذنب له في ذلك، ولكنها تندرج تحت «المزايدات الرخصة» الناجمة عن زحف يد الجهل والدمار إلى كل ما هو بديع وجميل.

ولكن تظل «الجريمة الكبرى» عندما فتح ثوار يوليو أبواب القصور الملكية أمام «المزادات» لبيع كل ماله علاقة بـ«الملكية»، وحملت عربات «الكارو» أطناناً من الأوراق الخاصة بالحكم الملكى، وألقت بها في مقالب القمامة.. وأصبحنا أضحوكة العالم لأننا ببساطة نبيع تاريخنا.. وهل هناك دولة في الدنيا – يا ناس – تبيع تاريخها؟!

في عام ٢٠٠٤ اشتريت بنفسى أوراق التحقيقات الرسمية في حريق القاهرة عام ١٩٥٢ من «سوق الجمعة» بالإمام الشافعى.. وجدت تاريخ مصر يباع في «كراتين» لمن يدفع أكثر!..

تاريخ مصر لا يحتاج إلى مذكرات سياسيين أو مشاركين في صناعة القرار.. تاريخ مصر يحتاج إلى إزالة الغبار من عليه، بعدما حاول «الترزية» كتابته بأساليبهم لإخفاء جرائم بشعة في حق مصر.. والمصريين.
facebook.com/sherifarefpress

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية