x

سعيد السني التوريث وقانون الزحف المقدس سعيد السني الأربعاء 06-07-2016 22:35


«سيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة ولن تستطيع قوة في مصر أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها.. من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون»، ربما يتذكر الكثيرون هذه التصريحات للمستشار أحمد الزند، قالها «حرفيا» أمام قضاة المنوفية بناديهم في مارس 2012، وقت أن كان رئيساً لنادي القضاة، تمييزاً لأبناء جماعته القضائية على خلاف الدساتير المصرية، متحدياً مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في التوظيف وتقلُد المناصب.

يومها نزلت كلماته صاعقة على نفوس «المصريين» العائدين لتوهم من ثورة 25 يناير، وأهاجت مشاعرهم وأفئدتهم، وأدارت رؤوسهم في نوبة إفاقة، كأنه يخبرهم مبكراً نبوءته، أن لا تعيشوا الوهم وتصدقوا ثورتكم وشعاراتها.. فإن شيئاً لا ولم ولن يتغير،.. يُحسب للرجل أن«كلماته»كاشفة بلا مواربة عنهذا القانون «غير المكتوب» لتعيين أبناء المستشارينوأشقائهم وأحفادهم بالقضاء.. ليس موضوعنا هو «الزند»، ولا حتى سلفه المستشار محفوظ صابر الذي خسرّ منصبه على خلفية تصريح مشابه من هذا النوع التمييزي، بأنه لا يمكن تعيين «إبن الزبال» بالنيابة العامة.. ذهب الرجلان إلى حال سبيلهما.. وبقي «الزحف المقدس» قانوناًسارياً يُخرِج لسانه للجميع، يحكمويوجهعمليةالتوريثفيالقضاء.

فقد نشرت جريدة الفجر «تقريراً» كتبه الزميل طارق جمال حافظ، في عددها الصادر يوم الخميس الماضي، بشأن «المُعّينين» مؤخراً بالنيابة العامة، بالقرار الجمهوري رقم 256 لسنة 2016، (تقرير الفجر:https://www.elfagr.org/2191185) «التقرير» جاء كاشفاً وراصداً بالتفاصيل تعيين أبناء 155 مستشاراً بالقضاء، من إجمالي 471 معاون نيابة، بنسبة 33%، وهو موثق بالأسماء وحدد اسم الأبن وموقعه في قوائم المعينين ورقمه المسلسل بالقائمة التي تضمه، وأورد أسماء الآباء القضاة كاملة مقترنة بمنصب ودرجة كل منهم، وشمل التقرير حالات لتوائم وأبناء مستشارين لحقوا بأشقائهم الذين سبقوهم في الالتحاق بالسلك القضائي، مثل حالة الأب وابنائه الأربعة الذين تم تعيينهم على دفعتين.

لم يخلو «تقرير الفجر» من حالات توريث للأحفاد والأشقاء والأقارب، وكأن البلاد قد خلت من المستحقين للتعييين بالنيابة العامة، إلا من أبناء واقارب السادة القضاة، مع كامل احترامنا وتبجيلنا لهم.

بحسب التقرير فإن بين المعينين 21 من ابناء ل «نواب رئيس محكمة النقض»، و79 أنجال مستشارين بمحاكم الاستئناف، و16 آخرين من أبناء مستشارين بالنيابة العامة، وبقية المقاعد ال 155 موزعة على أنجالرؤساءالمحاكمومستشارين بهيئات قضائية أخرى.. إذا كان معلوماً أن عدد القضاة إجمالاً نحو عشرة أو حتى 20 ألف قاض، من بين 90 مليون مواطن.. فلا يمكن تصور أن يكون نصيبهم هو نسبة 33%من هذه التعيينات، وهو أمر ليس جديداً، بل متكرر وربما بنسبة أكبر، فيما النسبة الباقية يستأثر بها غالباً أقارب ذوي النفوذ، مثل أعضاءالبرلمان وضباط الشرطة وكبار المسؤلين، وغيرهم، بما مفاده اننا أمام دائرة مغلقة محظورة علىعموم الشعب، وكأن المحظوظين بهذه الجنة، هم «السادة» بالوراثة، وباقي الناس«عبيد»، وهذا المعنى ليس بعيداً عما أفصح عنه «الزند» ذات مرة قائلا: «نحن الأسياد وغيرنا عبيد».

لا أحد ينكر على أبناء السادة القضاة حقهم في التقدم لنيل عضوية النيابة العامة أو أي هيئة قضائية أخرى، إذ إنهم «مواطنون» شأن غيرهم، شريطة خضوعهم لـ«معايير وقواعد» عامة مجردة وشفافة تتحرى المساواة،وتسري بدون تمييز على الحالات المتماثلة، وألا تكون هذه «المعايير» مرنة أو مطاطة على شاكلة «الهيئة الاجتماعية»، و«المستوى الاقتصادي» لأسرة المتقدم، فمثل هذهالأمور وعلى رأسها ما يسمى «كشف الهيئة» ، هي قياسات «غير موضوعية»، ولاسند لها من الدستور أو القانون، وهي نفسها الباب المفتوح واسعاً لسريان قانون الزحف المقدس لأبناء المستشارين وغيرهم من ذوي الحيثية، خصماً من أصحاب الحق.. وهو مالا يتسق مع مقتضيات العدل والإنصاف التي هي من صميم مهام ودور القضاء.

نسأل الله السلامة لمصر.
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية