x

أحمد الشهاوي من لا عقل له لا دين له أحمد الشهاوي السبت 02-07-2016 21:53


العقل هِبة مُقدَّسة من السماء.

وإذا كان القلب يسأل فالعقل من يتولَّى الإجابة، والقلب يُغذِّى العقل، ويمنحه الكثير، إذْ فى كل قلب عقل، وليس فى كل عقل قلب، ومن ثم نرى كثيرين من حولنا يعقِلُون بقلوبهم، التى ترى وتحكم وتحدِس، ونرى أيضًا من يعقل بالاثنين معًا: القلب والعقل، أو يضع ما يطرحه القلب على مائدة العقل، ثم يُقرِّر ويُحدِّد ويختار طائعًا، إذ إن صاحب العقل قد وُلد حُرًّا، يكره من أحد أن يجبره على فعل شىءٍ هو لا يريده، ومن يُعمل عقله يُرِحْ قلبه.

وليس صحيحًا أن العقلَ ضحيةٌ للقلب، لأنَّ القلب أعمقُ وأجلُّ مستشارٍ له، إذْ القلب عرفانى والعقل تجريبى، كما أنَّ مثلى لا يثقُ كثيرًا فى مَثَلٍ أو قولٍ كهذا «ثقة العاطفة شهر، وثقة العقل دهر»، لأنه صادرٌ عمَّن لم يعرف جيدًا سماء قلبه الرَّحبة التى لا حدود لها، أو ربما جاء إثر تجربةٍ شخصيةٍ عارضةٍ عابرةٍ (أحمد شوقى)، وهو عندى لا يُعوَّل عليه، ولا يمكنُ تعميم الخاص على العام، إذْ العام فى اللُّغة شُمولُ أمرٍ لمُتعدِّد، وهنا أستذكر قول المتنبى: (فإِن قليلَ الحُبِّ بالعقلِ صالحٌ.. وإِن كثيرَ الحُبِّ بالجهلِ فاسدُ).

والمرء من دون عقله الذى ميَّزه به عن سائر الموجُودات، يصير نسيًا منسيًّا ويصبح لا شىء على هذه الأرض، رغم وجُوده الجسدى (لا بأس بالقومِ من طُولٍ ومن قِصَرٍ.. جسم البغالِ وأحلام العصـافـير)، لأنه الفضل الأول والأهم والأساسى للإنسان على غيره من عموم المخلوقات، ومن هنا تأتى أهمية أن يُعمِل المرءُ عقله، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الآية 70 من سورة الإسراء.

كما أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (رُفع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبُر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق).

وسواد الناس فى مصر يقولون فى أمثالهم: «شغَّل دماغك، ربنا عرفوه بالعقل، الطول طول الباب والعقل عقل الذباب، قليل العقل داريه لا تبيعه ولا تشاريه، الفقر مش قلة فلوس الفقر قلة عقل، كل واحد عقله فى راسه يعرف خلاصه، قلة العقل مصيبة، إن جبت للمجنون ميت عقل على عقله ما يعجبوش إلا عقله، درهم ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ ﺧﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﺜﻘﺎل ﻣﻦ الفطنة، اللى ملوش عقل ملوش دين»...، وهناك مئات الأمثال فى الثقافة الشعبية المصرية الناتجة عن عقلٍ جمعيٍّ ووعى فطرى وذكاء خاص، ومعرفة بحال الرُّوح التى ترى وتعى. ومن الأمثال القليلة التى ذكرت، يدرك المرء أهمية تغليب العقل على ما سواه من سُبل ووسائل وطرائق الإنسان الأخرى، وتشغيله وليس تعطيله، وإبعاده عن السُّكون والبطالة؛ لأن عدم استخدام العقل يُورد صاحبه مورد الهلاك، ولو لم يكن العقل زينة الإنسان وتاج رأسه ما جاءت به العامة من أمثالٍ جوهرها أن الناس قد عرفت الله وأدركته بعقولها، وأن الغِنَى هو العقل وليس صفةً أخرى. و«إن الله هو الذى وهب الإنسان العقل، والعقل عِلَّة كل شىء.. العقل نور والعلم نتيجة، وهكذا كل علم نور».

ومن لا عقل له فهو أحمق وجاهل؛ لأن العقل مُرادفٌ للعلم والمعرفة والبصيرة والحدس بالقلب والروح، ومن امتلك عقلاً استقام أمره، ولو كان الإنسان يعقل لما كان سقط أبدًا فى التهلكة والضياع (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الآية العاشرة من سورة الملك.

وما دمتُ أستطيع أن أعرف الله بالعقل الذى منحنى إياه، فلستُ محتاجًا إلى النقل عن آخر، أو الاستناد إليه لمجرَّد أنه فقيهٌ أو إمامٌ، أى أنه بشرٌ مثلى ومثلك، وليس مقدَّسًا، إذْ طُرحت عليه عباءةٌ إلهية أو رسولية من الأعوان والمناصرين له أو التلاميذ. وليس خافياً على أحد أن الأئمة الأربعة كانت لهم أكثر من رواية فى المسألة الواحدة، وكلنا يعرف أنَّ أبا حنيفة (80 - 150 هـجرية / 699- 767 ميلادية) قد رجع عن كثيرٍ من اجتهاداته قبل وفاته، أَوَلَيسَ هو القائل: «هذا رأيى، وهذا أحسن ما رأيتُ، فمن جاء برأى خير منه قبلناه»؟

كما أن الشَّافعى كان له مذهبان، أحدهما فى العراق، والآخر بعد مجيئه إلى مصر، حيثُ غيَّر وبدَّل وعدَّل وحذف الكثير من مذهبه الذى كان له فى العراق، ولمَّا جاء إلى مصر وعاشر أهلها وخالطهم، أدرك مصالح الناس وحاجاتها، حيث رأى «إسلامًا مصريًّا»، ليس فيه تشدُّد ولا تزمُّت، فأجرى تغييراته على المذهب، خُصُوصًا أن أهل مصر يُعَلُّونَ من شأن العقل ويذهبون أكثر إلى قول الله والسُّنَّة الصحيحة الخالية من الموضُوع والمكذوب.

أنا مع كُلِّ حُكم أصلُه مأخوذٌ من القرآن، وكما قال على بن أبى طالب (13 من رجب 23 ق هـجرية /17 من مارس 599 ميلادية - 21 من رمضان 40 هـجرية/ 27 من يناير 661 ميلادية): «إذا تم العقل نقص الكلام»، ولا كلام بعد ما يراه العقل، مادامت هناك حُججٌ قوية وأدلَّة دامغة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية