كراهية النساء المُضْمرة فى دواخل الرجال، هى ما تجعلهم يزدرونها ويحتقرونها ويمارسون تعذيبها بشتَّى الوسائل والأساليب، وتنتشر صور الكراهية فى أقوالهم قبل أفعالهم، وليس غريبًا أن يتساوى فى كراهية النساء إمامٌ أو فقيهٌ أو خليفةٌ أو والٍ، حيث ترك كلٌّ منهم وراءه إرثًا فى الكراهية، مازال حيًّا مُتداولا حتَّى يومنا هذا، يحرثُه المتسلِّفون، ويحرسُه المتأسلمون، ويُكرِّره الباحثون عن الخلافات والإمارات الإسلامية، بل ويستند إليه ويستنسخه المُتشدِّدون والمُتزمِّتون وبائعو الدين لقاء الدنيا.
وهؤلاء وأولئك كارهون للنساء فيما يكتبون من كُتبٍ، وفيما يخطبون من خُطبٍ على المنابر فى المساجد، لكنهم مُقبلون مُحبُّون للنساء فى الفراش، ومنهم من تزوَّج عشرين مرةً، ومنهم من كان يمتلك آلاف الجوارى والسرارى، ومنهم فى زماننا هذا من عاشر النساء سِرًّا من دون عقدٍ أو شرطٍ، فإذا كان أرسطو يعتبر المرأة عبارة تشوهات طبيعية، وأنها أدنى منزلةً من الرجال، فإن الإمام أبو حامد الغزالى يرى النساء حيوانات حيث عدَّد عشرة أنواع لهن، وهنا يظهر لى تناقض الغزالى واضطرابه الفكرى، ومراجعاته، ومُساءلاته لذاته وأفكاره، وتحوُّلاته، وانتقاله من موقفٍ فكريٍّ إلى آخر بيُسرٍ وسلاسةٍ دون أن يعترف بأنه كان مُخطئًا، فها هو الرافض لأرسطو يتبنَّى موقفه فى كراهيته للنساء. فلم يعُد الأمر مُدهشًا لى أن أجدَ الكثيرين من المُشتغلين بالدين على مَرِّ العصور والأزمان، يكرهون النساء، فإذا كان النبيُّ محمد لم يضرب امرأةً قط، فإننا نجد متحدثين باسمه يضربون نساءهم، ( وقيل إن مُعاذ بن جبل رجع يومًا إلى منزله، فوجد امرأته تنظر من كُوَّةٍ فى الجدار فأوجعها ضربًا ).
وعلى الرغم من أن نُصوص القرآن واضحةٌ لا لبس فيها ولا تعمية، فإنَّنا نجد مفسِّرين من الرجال قد أوَّلوا سُورَ كتاب الله لحسابهم، كأنهم لم يسمعوا قول رسول الله: «لا أريد أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» من قبل، ولا أحاديثه: «ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم»، «النساء شقائق الرجال»، «خير أولادكم البنات»، «استوصوا بالنساء خيرا»، لكننا لم نجد خليفةً أو أميرًا أو واليًا يقول لنفسه أولا قبل الآخرين، لا أريد أن يتحدث الناس أننى آذيتُ امرأة.
والعرب تعرف أن التعذيب لم يكن معرُوفًا فى الجاهلية للرجل أو للمرأة، ولذا من العار أن نجده قد انتشر مع الخلافات المسماة بالإسلامية.
وإذا عدتُ إلى أبى حامد الغزالى، سأجد أن المرأة لديه رمزٌ (ساطع)، للهلاك والكيد والشر والغدر والعيب والغواية- و«قيل شاوروهن وخالفوهن، ويجب على الرجل الفاضل المتيقظ أن يحتاط فى خطبة النساء وطلبهن، وليُزوِّج البنت، لا سيما إذا بلغت، لئلا يقع فى الغدر والعيب ومرض الروح وتعب القلب، وعلى الحقيقة كل ما ينال الرجل من البلاء والهلاك والمحن فبسبب النساء»، والغزالى لا يُعادى المرأة ويحتقرها فقط، بل يراها بهيمةً وحيوانًا، ولا أدرى كيف وُصِف بأنه (حُجَّة الإسلام، مُجدِّد القرن الخامس الهجرى، مُحيى علوم الدين)، وقد جاء بما لم يأت به الله ورسوله، وختم حياته أسوأ ختامٍ، ولا يمكن أن يصدر الكلام الذى ستقرءونه الآن إلا عن رجلٍ لديه عُقدةٌ مع ومن النساء، أو مرضٌ مزمنٌ لازمه طوال حياته، أو فى بعض منها، كأنه لم يقرأ كيف كان النبى محمد يعامل زوجاته.
وكتاب (التبر المسبوك فى نصيحة الملوك) لأبى حامد الغزالى (المُتوفَّى سنة 505هـجرية)، الذى ختم به حياته، لأنه ألّفه فى أواخر أيامه باللغة الفارسية للسلطان محمد بن ملكشاه السلجوقى المُتوفَّى سنة 511 هـجرية، ونقله إلى اللغة العربية صفى الدين على بن مبارك بن موهوب الأربلى، وهو أحد تلاميذه، فى القرن السادس الهجرى؛ بطلب من الأتابك ألب قتلج حاكم الموصل المتوفى عام 595 هـجرية /1199ميلادية، خير مثالٍ على كُره الغزالى للمرأة، وهو كتابٌ شهيرٌ ومتاحٌ، وما نعانى منه على يد كارهى النساء والحياة من المُتسلِّفين والمتأسلمين ما هو إلا نتاج التأثر بالفكر المتخلِّف الذى تركه الغزالى وسواه، يقول أبو حامد:
قال: اعلم أن النساء على عشرة أصناف وكل صفة تشبه بعض الحيوانات فواحدة كخنزيرة والثانية كالقردة والثالثة كالكلب والرابعة كالحيَّة والخامسة كالبغلة والسادسة كالعقرب والسابعة كالفأرة والثامنة كالطير والتاسعة كالثعلب والعاشرة كالغنمة، وهذا وصفهن:
- الأولى التى تشبه الخنزير، عادتها لا تُحسن غير الأكل، وحشو البطن، وكسر الآنية، ولا تبالى أين مضت، ولا تهتم بالدين ولا بالصلوات والصوم، ولا تفكِّر فى الموت والعذاب، ولا تُراعى تربية الأولاد وتعليمهم ولا نظافتهم، ولا تهتم بنظافتها، فتلبس الثياب القذرة، وتظهر منها رائحة كريهة.
- الثانية التى تشبه القرد، تكون همتها فى لبس الملابس الملونة من الأصفر والأحمر والأخضر ولبس الجواهر والتحلِّى بالذهب والفِضَّة، وتفتخر على أترابها وتعظيم منزلتها عند زوجها، ورُبَّما يكون حالها يُنافى ذلك.
- الثالثة التى تشبه الكلب، وهى التى إذا كلمها زوجها وثبت عليه، وخاصمته وهرَّت عليه كالكلب، ومتى رأت كيس زوجها ملآن بالذهب والفضة، وبيتها محشو بالطعام أكرمته وتقربت إليه، وقالت له: روحى لك الفدا، ولا لقاك الله مكروهًا وأنا أموت فداك.. أما من كان حاله بخلاف ما ذكر، وثبت كالكلب فى وجهه وشتمته ونقصت بحسبه ونسبه وعيَّرته بالفقر ولم تسكت يومها أجمع ألبتَّة.
- الرابعة التى كالحيَّة، هى التى تلين كلامها لزوجها وتُضمر له السوء، فهى كالحيَّة؛ لأن لسعها حسن فهى ناعمة مؤذية.
- الخامسة التى تشبه البغلة: فهى التى تكون حرونة كالبغلة إذا وقفت على جسر كلما ضربتها لا تبرح وتكون لجوجًا (عنيدة ملحاحًا) منفردة برأيها معجبة بنفسها.
- السادسة كالعقرب، فهى التى تدور فى بيوت جيرانها بالنميمة والغمز واللمز والتسمُّع لأحاديثهم والتنمُّم بها وتُوقِع بينهم العداوة والخصُومة والفتن مثل العقرب قال فى حقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الفتانة لا تدخل الجنة).
- أما التى كالفأرة، فهى المرأة السارقة التى تحصل كيس زوجها وتسرق منه وقد تخبئه فى بيوت الجيران.
- أما التى تشبه الطير، فهى التى تدور طول نهارها لا تستريح من دورانها وتقول لزوجها: أين تمضى؟ لا شك أنك ما تريدنى؟ وتحب غيرى ولست معى مستقيمًا ولا مشفقًا.
- أما التى كالثعلب، فهى التى تُخرج زوجها من البيت وأكلته ونامت وتعلَّلت فإذا عاد زوجها قالت له: تركتنى فى البيت وحيدة مريضة.
- أما التى كالغنمة، فهى المباركة الرحيمة كالغنمة التى كل شيء منها منفعة وبركة، وهى المرأة الصالحة الكثيرة النفع لزوجها وأهلها وجيرانها وأهل بيتها مطيعة لربها سبحانه وتعالى.