x

عبد الناصر سلامة نتكلم مع مين فى مصر؟ عبد الناصر سلامة الأربعاء 29-06-2016 22:13


كانت مقولة للسخرية، للضحك، للكوميديا، للهزار، للمسرحيات، على الرغم من أن لها أصلاً تاريخياً، لسنا بصدده الآن «نتكلم مع مين فى مصر؟» الأيام دارت دورتها، ويبدو أنها أصبحت حقيقة، كشفت عنها القضية الساخرة المعروفة بقضية الجزر، جزيرتا تيران وصنافير تحديداً، طرحتُ سؤالاً على الأصدقاء من رواد موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» كان هذا نصه: «ماذا لو قررت السعودية اللجوء إلى محكمة دولية بعد تصديق الإدارية العليا على حكم أول درجة، من الذى سيمثل مصر فى هذه المحكمة، السلطة الرسمية، أم اللجان الشعبية؟!».

يبدو أن السؤال كان صادماً، فكانت الإجابات على نفس المستوى، أكثرها إحساساً بالقهر، كان من الزميل الصحفى محمود عبدالمقصود: «السؤال درامى يا أستاذ، يمكن أن نضحى بالجزر والوطن عشان السعودية تعيش»، أكثر الإجابات كوميديا وسخرية فى الوقت نفسه كانت من الزميل الصحفى سامى خير الله: «أُمى هى التى سوف تمثل مصر»، الدكتور إسماعيل عبدالرحمن باعتباره متخصصاً فى القانون الدولى كانت إجابته جادة، قال: «إن اللجوء إلى المحاكم الدولية يكون توافقياً بين دولتين، بالتالى فإن الدولة هى محل الاختصاص، وليس الأفراد».

إلا أنه فى معظم الأحوال كان هناك رفض تام لتمثيل الدولة الرسمية فى القضية، على اعتبار أن موقفها معلوم سلفاً، وهو دعم الموقف السعودى، وهو تصور منطقى، بالتالى فسوف نكون أمام قضية أو أزمة هى الأولى من نوعها فى التاريخ، وهى أن شعباً يرفض تفويض دولته رسمياً فى المحافل الدولية، نتيجة فقدان الثقة، من هنا فإن مقولة «نتكلم مع مين فى مصر؟»، التى كان يتم طرحها فى إطار كوميدى، سوف تصبح حقيقة، بل حقيقة مؤلمة هذه المرّة.

بالتأكيد الدولة الرسمية فى موقف لا تحسد عليه، رغم أنه كان صنيعتها منذ الوهلة الأولى، لأول مرة محامى الدولة يقف أمام المحكمة ليؤكد أن دولته دولة احتلال: كنا نحتل الجزر، هكذا نصاً عشر مرات، بمعنى أننا دولة معتدية، أو استعمارية، من حق الطرف الآخر طلب تعويض يوماً ما، على الرغم من أن الأمر لم يكن كذلك أبداً، لا كُنا دولة محتلة، ولا دولة معتدية، كنا طوال الوقت أصحاب حق، أصحاب أرض، لذا كان من الطبيعى «تشييع» ذلك المحامى فى زفة كبيرة، بالهتافات الصاخبة إلى خارج المحكمة، وأعتقد أنه سوف يتم تشييعه كلما ظهر فى مكان ما.

الطاعنون فى حكم أول درجة هم قادة الدولة ورموزها، من بينهم وزير الدفاع، الذى من المفترض أن مهمته الأولى هى حماية الأرض، من بينهم رئيس البرلمان، الذى من المفترض انحيازه للشعب، كممثل عنه، وليس عن الحكومة أبداً، من بينهم وزير الداخلية، ولا أدرى لذلك سبباً، على الرغم من أن هناك قرارات شُرطية تؤكد مصرية الجزيرتين، من بينهم للأسف رئيسا الدولة والحكومة، ووزير الخارجية، ولله الأمر من قبل ومن بعد!!.

إذن من الذى يمكن أن يمثل الدولة، كطرف آخر فى القضية، أمام أى محكمة دولية؟!! هى الدراما، وهى الكوميديا السوداء، وهى المأساة الوطنية فى أبشع صورها، أتوقع فى هذه الحالة أن يقوم الشعب بجمع توقيعات لأحد المحامين، على غرار توقيعات سعد زغلول، ليت المحامى يُدعى سعد أيضاً، حتى تردد الجماهير من جديد: سعد، سعد، يحيا سعد، فى كل الأحوال سوف يتحول إلى بطل، حتى لو كان اسمه نجاتى، سوف نهتف حينئذ: انفخ البلالين يا نجاتى، ولِمَ لا، دعنا نحتفل.

أتوقع حينئذ أن تتحول هذه المأساة إلى أعمال درامية عالمية، أيضاً إلى مسرحيات كوميدية من الطراز الأول، سوف يجد المؤلفون والمؤرخون أنفسهم أمام عمل واقعى كبير، لن يقل حجماً عن عمر المختار، أو الناصر صلاح الدين، أو حتى أفلام الحرب العالمية الثانية، أتوقع إنتاج هذه الدراما والكوميديا معاً، حتى لو لم تأخذ القضية هذا المنحى الدولى، أتوقع أن يكون هناك أكثر من كاتب فى الداخل والخارج قد التقطوا خيوطها الآن.

هذه هى الحقيقة التى يجب أن نعترف بها، ونخجل منها فى آن واحد، وهى أننا أمام سابقة هى الأولى من نوعها فى التاريخ، هناك دولة تذهب أمام القضاء لتثبت باستماتة أن هذه الأرض ليست أرضها، دولة تعاقب من يحاول من أبنائها الاعتراض على ذلك، قادة الدولة جميعا فى خندق ومن والاهم، وجموع الشعب فى الخندق المناوئ، الدولة تخفى مستندات ملكيتها، والشعب يجلب هذه المستندات من الخارج، الإعلام الرسمى فى جانب الدولة، والإعلام الخاص- إلا ما ندر- فى جانب الشعب.

أما الكُتاب والسياسيون والشخصيات العامة فيمكن التأريخ لهم فى مجلدات، تراوحت مواقف بعضهم حسب طبيعة علاقتهم بالنظام، والبعض الآخر للأسف حسب طبيعة علاقته بالطرف الآخر فى القضية، إلا أنه، إحقاقاً للحق، كانت الأغلبية العظمى على مستوى المسؤولية الوطنية، الأرض عرض، مصر أولاً وأخيراً، هذا ما يجعلنا نطمئن أن الجزر مصرية، وسوف تظل مصرية، حتى لو لم يكن هناك من نتحدث معه على المستوى الرسمى، يكفى أن نتحدث مع بعضنا البعض، وإن غداً لناظره قريب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية