لا أعرف لماذا تأخرت الحكومة فى إلغاء بعض امتحانات الثانوية العامة وتأجيل بعضها؟.. ولا أعرف أيضاً لماذا تأخرت الجهات السيادية فى التدخل، ولماذا تتأخر فى كل مرة؟.. هل عجزنا عن تأمين المطبعة السرية بعد التسريب الأول؟.. هل كان على الدولة أن تتدخل لإلغاء الامتحانات كلها وإعادتها من جديد؟.. هل كانت تستطيع، أم أن إلغاء مادة واحدة يحل المشكلة، ويحفظ ماء وجه الحكومة والسلام؟!
للأسف المطبعة السرية أصبحت صورة كربونية من المطار السرى.. وربما تعرف قصة المطار السرى، ولا تحتاج إلى شرح إضافى.. فقد تحول فى يوم من الأيام إلى محطة أتوبيس.. يطلب الركاب من السائق أن ينزلوا فى المطار السرى.. المفاجأة أن المطبعة السرية أيضاً تم اختراقها ومعرفة كل شىء فيها بدقة، تستعصى حتى على العاملين فيها.. إذن من فعل هذا ليسوا موظفين، ولكنهم من جهات سرية!
المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، شرح أسباب التأجيل والإلغاء لبعض المواد.. قال طبعاً إنه يأسف للأمر، لكنه كان ضرورياً فى إطار حفظ مبدأ تكافؤ الفرص.. صحيح أن الأجهزة الأمنية قدمت بعض المتهمين للعدالة، لكن الغش لم يتوقف.. وحدثت التسريبات بانتظام مع كل امتحان، وفى التوقيت الذى أعلنوا عنه.. معناه أن رأس الأفعى موجود، وأن الذين يحاكمون مجرد موزعين للبضاعة فقط!
كانت هناك أصوات تطالب بإلغاء امتحانات الثانوية العامة كلها، وليس مجرد امتحان أو اثنين.. كما حدث فى زمن الرئيس عبدالناصر.. واتخذ القرار بشجاعة.. ربما لم يكن الغش بهذه الفضيحة المدوية، لكنه ألغى الامتحانات كلها، وأجراها فى وقت لاحق مع التأمين الكامل.. ونتساءل: هل كان المهندس شريف إسماعيل يجرؤ؟.. الإجابة أن ما حدث من إلغاء هو الحد الأقصى لتصرف الدولة «الآن»!
الحكومة تعرف أن ما سبق من غش يهدر تكافؤ الفرص.. مؤسسة الرئاسة بالتأكيد تدخلت.. الجهات السيادية بالتأكيد مكلفة بما سيحدث بعد ذلك.. لكن النتيجة التى وصلنا إليها لا تقدم جيلاً يخدم الوطن، والعلاج الذى قدمناه أشبه بمسكن للألم، فى الوقت الذى كان يحتاج فيه إلى جراحة عاجلة.. الجراحة هى الحل.. إجراء الامتحانات من جديد هو الحل.. أقدّر أن «الخاسر فيه» هم الذين ذاكروا وتعبوا!
تأمين الامتحانات ليس أقل من تأمين البلاد.. تسريب الامتحانات نوع من الإرهاب.. هدفه ضرب الأمن القومى فى مقتل.. وهدفه ضرب استقرار البلاد.. كيف لم ننتبه للمشكلة؟.. الإرهاب مشكلته أنه من الداخل.. التسريب أيضاً مشكلته أنه من الداخل.. التسريب طريقة أخرى للإرهاب.. فكما يترك الإرهاب خلفه ضحايا ودموعاً، يفعل التسريب الشىء نفسه.. هناك دموع وضحايا وحالات انتحار!
زمان كانت نتيجة الثانوية فرحة كبرى.. وكان الشعراء يكتبون لها الأغانى.. وكان المطربون يتغنون بهذه المناسبة تحديداً.. الناجح يرفع إيده.. جاى منين م الثانوية، رايح فين ع الكلية.. وكان الأوائل لهم فرحة.. فهل يفرح الطلاب بالنتيجة مثل كل عام؟.. وهل نحتفل بأوائل الثانوية العامة، أم بأوائل الغشاشين؟!