x

أحمد الدريني تيران وصنافير.. لمن؟! أحمد الدريني الأحد 26-06-2016 23:00


هل كان بمقدور مصر «الدولة» أن تدير قضية جزيرتي «تيران» و«صنافير» على نحو أقل ابتذالا وأحفظ لماء الوجه وللكرامة الوطنية؟

تكمن الإجابة في طيات سؤال آخر أكثر تعقيدًا..

هل كان بمقدور مصر أن تبدو كـ«دولة»؟ أم أن أقصى مستطاعها كان أن تصيغ ارتجالاتها وآراء «أفرادها النافذين» على هيئة منظومة حكم جرجرت على نفسها في الطريق الكثير من القيل والقال وكثرة السؤال؟

وقبل أن يتعلق الأمر بمصر وجزيرتيها، فهو متعلق بمسقبل «المملكة» على أبعد تقدير.. كي تتسلم الجزيرتين، إذا ما سلمنا جدلًا بأن مصر ستتركهما.

ومصر في الجملة الأخيرة لا تعني مؤسسة الحكم المباشر بمقدار ما تعني ذلك الخليط غير المتجانس من الرغبات والقناعات في كافة مؤسسات الدولة الفاعلة، وفي الصدارة منها الشعب نفسه، صاحب الحق الأصيل والحصري في تقرير مصير نفسه ومصير أرضه.

(2)

في ديسمبر 2015 أصدرت المخابرات الألمانية تقريرًا احتوى انتقادات عنيفة لسياسة الرياض في منطقة الشرق الأوسط، اعتبر أن الأمير الشاب محمد بن سلمان ينتهج سياسات إقليمية اندفاعية، خلافا لما درج عليه أسلافه من آل سعود.

وألمح التقرير إلى أن الأمير الشاب يلعب ببرميل البارود وسط إقليم مشتعل بطبعه، وأن المنطقة لا تحتمل كل هذا ولا الكوكب نفسه يحتمل انفجارًا جديدا في الشرق الأوسط ينسحب بتبعاته إلى أوروبا وبقية العالم.

احتجت السعودية على التقرير، فسرعان ما خرج المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن شيبرت، مشيرًا إلى أهمية أن يكون لبرلين «موقف موحد» بشأن دور السعودية في المنطقة، مضيفا أن تقييمات وكالة الاستخبارات الألمانية التي نشرت لا تعكس هذا الموقف الموحد.

وبعدها بأسابيع قليلة استقال رئيس المخابرات الألمانية من منصبه.

(3)

في إبريل 2016 هددت الرياض بأنها قد تسحب أصولًا تساوي مليارات الدولارات من الولايات المتحدة، إذا ما مررت الأخيرة تشريعا يبيح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر مقاضاة حكومات أجنبية.

لم يكن الأمر واضحًا بما يكفي، حتى تسربت إلى الصحافة الأمريكية تقارير تتحدث عن الأجزاء المخفاة من ملف تحقيقات 11 سبتمبر وعن 28 ورقة حجبها بوش الابن بنفسه، تتجه بأصابع الاتهام إلى الرياض كطرف ضالع في تمويل وتوفير غطاء واسع عبر سفارتها في واشنطن، لمنفذي الهجوم الدموي في 2001.

وإلى الآن، مع تهديد الرياض بسحب السعودية لأصولها الاقتصادية، ومع تسارع وتيرة الكشف عن الـ28 صفحة المحجوبة، وآلاف الأوراق الأخرى التي تلوح بها واشنطن على أنها تحقيقات سرية للمباحث الفيدرالية تجزم بتورط المملكة في عملية ضرب البرجين، يبدو أن علاقة البلدين ليست على ما يرام أبدًا.

(4)

في مايو 2016 دعت لجنة في البرلمان البريطاني إلى إجراء تحقيق مستقل بشأن ما إذا كانت أسلحة بريطانية تم بيعها للسعودية تُستخدم ضد مدنيين في اليمن.

وجاءت الدعوة للتحقيق تتويجا لحركة واسعة تسعى لتقويض تحركات المملكة في المنطقة عسكريًا، وسط مناداة بوقف ضخ السلاح البريطاني للشريان السعودي الذي يقود حربًا في اليمن لم يعد من الممكن غض الطرف عن شبهاتها الإنسانية.

(5)

في يونيو 2016 تلقت الأمم المتحدة تهديدا صريحا من الرياض بسبب إدراجها التحالف السعودي الذي يمارس عملا عسكريا في اليمن في «القائمة السوداء» للأمم المتحدة لأجل ما مارسه التحالف من جرائم بحق الأطفال اليمنيين وبسبب خرق مواثيق حقوق الإنسان في هذه الحرب على نحو لا يمكن إخفاؤه.

خرج مسؤولون أمميون في تصريحات لوكالة رويترز تفيد بأنهم يتعرضون لضغوط ولابتزاز من الرياض التي لوحت بوقف المساعدات للفلسطينيين وبترتيب موقف موحد مضاد للأمم المتحدة يضم دولًا إسلامية، فضلا عن ترتيب فتاوى ضد المنظمة تفيد بأنها تعمل ضد مصلحة الإسلام والمسلمين.

ابتلعت الأمم المتحدة ريقها وبدأت في عملية مراجعة لتقاريرها، ولم تخرج بالنتائج الجديدة بعد.

(6)

الحاصل أن المملكة ليست في أسعد ولا أفضل أوقاتها، وأنه بالتزامن مع الحسابات المعقدة داخل البيت الحاكم لترتيب وراثة الملك سلمان، وفي ظل وضع إقليمي هو الأسوأ للسعودية منذ نشأتها بحصار إيران لها من اليمن والعراق وسوريا ولبنان، جاء تململ العالم الخارجي منها ومن سياساتها وطموحتها ليزيد المشهد تعقيدا.

ليشتم البعض أن هناك قرارًا ما في المجتمع الدولي يقضي بتحجيم الرياض، مالم يكن في نواياه ما هو أبعد من «التحجيم».

ومن ثم فإن الذين يتوددون (مشيها يتوددون) للمملكة، ويتشددون لأجل تسريع نقل ملكية الجزيرتين إليها، هم مجرد تروس ضمن مشروع تلميع الوريث المحتمل، الذي سيقال إنه بطل الحرب والسلام..الحرب اليمن والسلام مع مصر!

لكنهم تروس عميت عما ينبئنا به المستقبل القريب، حيث ربما لن يجدوا الكيان الذي يتوددون إليه على حاله قائمًا.

(7)

بعد عام أو اثنين من الآن، بافتراض اتخاذ مسيرة التقاضي دورتها الطبيعية بين الدولة ومواطنيها بخصوص مصرية تيران وصنافير، وبعد تصديق البرلمان من عدمه، وبعد أن ينتهي الجدل كله.

ربما لن يجد المتوددون هذا الذي يرغب في الجزيرتين كي يعطوهما إياه!

وساعتها لن يبقى في الوجدان إلا أولئك الذين ساقتهم وطنيتهم (بالعاطفة وبالدليل التاريخي الذي لا يقبل الشك) للدفاع عن أرضهم. أما من سواهم من السماسرة فهم على دين الكفيل أنى ارتحلت مصالحه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية