x

مي عزام نفيسة تواجه الباشا (شخصيات تبحث عن مؤلف 10 ) مي عزام الأحد 26-06-2016 21:38


مات زوجها، وتفرق شمل أنصارها، وتكدرت أيامها، لكن الست نفيسة وقفت صامدة في وجه التقلبات العنيفة التي كانت تنذر بنهاية زمن المماليك، ففي خريف 1802 وصلتها أخبار سيئة من الإسكندرية، حيث تعرض الأمراء الذين تحالفوا مع الإنجليز، إلى مكيدة تم تدبيرها للقضاء عليهم، وكان قائد المماليك المرادية عثمان بك الطنبورجي قد وافق على الاجتماع بالقائد العثماني قبطان باشا، في سفينة بعرض البحر، وكان مقر الاجتماع بمثابة مصيدة معدة بإحكام، حيث انهمرت على المماليك طلقات الرصاص، وقُتِل عدد من أبرز القادة منهم الطنبورجي نفسه، وعثمان بك الأشقر، ومراد بك الصغير، وإبراهيم كتخدا السناري، وصالح أغا، وأصيب كثيرون، حتى تدخل الإنجليز ومنعوا التصفية الشاملة لبقية المماليك الذين حضروا، وكان الطنبورجي قد دخل في تحالف (على غير رغبة الست نفيسة) مع القوة الإنجليزية المرابطة في الإسكندرية، وانضم إليهم بأكثر من 1200 فارس، تمهيدا للتعاون معهم بعد رحيل الفرنسيين وسيطرتهم على الموقف في مصر بموافقة حلفائهم العثمانيين.

أدركت نفيسة أن رهانات المماليك الخاطئة تشير إلى غروب دورهم في السلطة، فسرعان ما خرج الإنجليز بقواتهم من الإسكندرية في عام 1803 تاركين الساحة مفتوحة لصراع دموي بين العثمانيين وبقايا المماليك، وكانت نفيسة قد حاولت تجميع المماليك في القاهرة لحماية نساء المماليك وبيوتهم والحفاظ على الأمان الاجتماعي بعد أن تضاءلت فرصة المماليك في الحكم، وانتهت هذه المحاولات باغتيال طاهر باشا، وتكوين مجلس ثلاثي ظهر فيه محمد على لأول مرة كحاكم وليس كجندي ضمن القوة التي أرسلها الباب العالي، وكان ممثل نفيسة في هذا المجلس عثمان بك البرديسي، لكن سرعان ماتم اغتياله، وأرسلت السلطنة أحمد خورشيد باشا إلى القاهرة واليا على مصر، في الوقت الذي كان فيه الشيوخ والأعيان وكبار التجار وعائلات المماليك يضعون ثقتهم في محمد على، ويعتبرونه الفارس المخلص القادر على تحقيق الأمان، بعد أن عمت الفوضى، وانتشر القتل والسلب والنهب.

وكانت المفاجأة أن محمد على وضع قوته تحت تصرف الباشا العثماني الذي جاء من استانبول ومعه أوامر بالقضاء نهائيا على أي نفوذ لأمراء المماليك، والتنكيل بهم، ومصادرة بيوتهم وثرواتهم، ومطاردة أنصارهم، وفي مارس 1804 كتبت الست نفيسة رسالة إلى الأمير محمد بك الألفي تطالبه بالعودة من جرجا لحماية بيوت ونساء المماليك، لكن المطاردات والمصادرات لم تتوقف، حتى تجرأ خورشيد باشا في 22 مايو من العام نفسه، وقرر التحفظ على الست نفيسة، فأرسل الوالي والمحتسب لاستدعائها إلى القلعة، وفي البداية رفضت الخاتون تنفيذ الاستدعاء، فأصر الوالي مؤكدا أن الأمر مجرد استدعاء لاستيضاح بعض الأمور، فاتصلت الست نفيسة بكبار الشيوخ، واصطحبت معها اثنتين من جواريها، وركبت إلى القلعة عصراً لمقابلة خورشيد باشا، الذي قام لاستقبالها بإجلال حسب وصف الجبرتي، وقدم لها فروض الاحترام والتقدير لمكانتها.

وفي ذلك الوقت كان الجند يواصلون التفتيش على باقي نساء الأمراء فاختفى غالبهن وقبضوا على بعضهن، وعلمت الست نفيسة بما يحدث، فتهيأت لمواجهة الباشا بشكل مباشر، فلما عاتبها قائلاً بتودد لا يخفي نيته: يصح أن جاريتك منور تتكلم مع مصادق آغا وتقول له أن يسعى في أمر المماليك العصاة، مع ضمان أن تلتزم له بالمتأخر من رواتبهم.

أجابت الست نفيسة (والنص من «عجائب الآثار» للجبرتي): إن ثبت أن جاريتي قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها.

فأخرج من جيبه ورقة وقال لها: وهذه؟

(وهو يشير إلى الورقة)

فقالت نفيسة: وما هذه الورقة؟.. أرنيها، فإني أعرف أن أقرأ، لأنظر ما هي؟

فأعاد البشا الورقة إلى جيبه ثانياً

وفي هذه اللحظة نظرت إليه الست نفيسة وقالت بقوة: أنا بطول ما عشت بمصر، وقدرى معلوم عند الأكابر وخلافهم، والسلطان ورجال الدولة وحريمهم يعرفوني أكثر من معرفتي بك، ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الأجانب (وبرغم أنهم من غير ملتنا)، فما رأيت منهم إلا التكريم، وكذلك سيدى محمد باشا الوالي، كان يعرفني ويعرف قدرى ولم نر منه إلا المعروف، أما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك، ولا غيرهم.

رد خورشيد باشا: ونحن أيضا لا نفعل غير المناسب

فقالت له: وبأى مناسبة تأخذني من بيتي بالوالي مثل أرباب الجرائم؟

فقال: لقد أرسلته لكونه أكبر أتباعي، معتبرا أن إرساله من باب التعظيم وليس الإهانة.

وبدأ الموقف يتوتر، فاضطر الباشا لتهدئة الموقف، واعتذر إليها بعد أن وصل عدد من كبار شيوخ الأزهر للوساطة، وتجمع العامة في الطرقات لمتابعة تطورات ما يحدث، لكن الباشا برغم المهادنة والاعتذار كان قد قرر اعتقال الست نفيسة وعدم الإفراج عنها.

وللحديث بقية...

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية