x

أسامة غريب قوة الإيمان.. وسحره أسامة غريب الخميس 23-06-2016 21:38


للأديب الكبير باولو كويلو رواية اسمها «على نهر بييدرا.. هناك جلست فبكيت».. تحكى عن الإيمان بالله وما يمكن أن يصنعه بالنفوس، وعن القوى التى يهبها الله لعباده الطائعين، وعن طاقة الأمل المفتوحة للناس دوماً. فى حوار بين بطلة الرواية وأحد الرهبان، حكى لها الراهب قصة أنقلها لكم بالنص:

«كان أحد العلماء يدرس سلوك القرود فى إحدى الجزر الإندونيسية، وقد توصل إلى تلقين قرد كيف يغسل البطاطا فى مياه النهر قبل أن يأكلها. فحبة البطاطا المغسولة من الرمل والقاذورات العالقة بها تصبح شهية الطعم. ولم يكن هذا العالم الذى يكتب دراسة حول قدرات التعلم لدى هذه الطائفة من القرود ليتخيل للحظة ما سوف يحصل لاحقاً. فكم كانت دهشته عظيمة عندما لاحظ أن قروداً أخرى فى الجزيرة راحت تقلد القرد المذكور. وحين جاء اليوم الذى تعلمت فيه كل قرود الجزيرة غسل البطاطا، شرعت كل قرود جزر الأرخبيل تحذو حذوها. لكن ما يدعو لدهشة أكبر هو أن القرود الأخرى تعلمت من دون أن تقيم أى صلة بالجزيرة التى أجرى فيها الاختبار!. هناك دراسات علمية عديدة ومتنوعة حول هذا الموضوع. لكن التفسير الأكثر شيوعاً يقول إنه عندما يتطور عدد معين من الأفراد فإن النوع بأسره يتطور فى النهاية. مازلنا نجهل كم هو عدد الأفراد المطلوب، لكننا نعلم أن الأمور الأخرى تجرى على هذا النحو».

أدهشتنى هذه الحكاية التى أجراها باولو كويلو على لسان أحد شخوص روايته، وتوقفت عند فكرة أن هناك عددا معينا من الأفراد إذا قمت بتعليمهم سلوكاً معيناً فإن هذا السلوك ينتقل لأفراد آخرين حتى لو كانوا لا يقيمون بنفس المكان، ثم تساءلت عن العلاقة بين هذا وبين نظرية الكتلة الحرجة فى الفيزياء، وهى تلك النقطة التى إذا بلغها التفاعل سهل عندها حدوث الانشطار النووى. لا أنكر أن هذه الفكرة ألهمتنى وأضاءت أركاناً فى نفسى كانت شبه معتمة ومنحتنى أملاً فى التغيير بما قدمت لى من تفسير عن كيف يحفظ الله أوطاناً ملأها الفساد وعاث السلاطين فيها ظلماً وعدواناً، وتذكرتُ مقولة يرددها العوام عن كيف يحفظ الله البلاد رغم كل مظاهر الخراب والجور بفضل الناس الطيبين الذين يمتد تأثيرهم فى نفوس الجميع، فيبقى شعلة الخير مضيئة ولو واهنة انتظاراً ليوم يأتى فيه العدل الذى طال انتظاره.

شعرت أيضاً بشىء كنت أعرفه، لكن لا أحسه بدرجة كافية، وهو أن إحداث التغيير لا يحتاج إلى ملايين البشر الذين يملأهم الوعى والمعرفة.. لكنه يحتاج إلى طليعة من عشرات الآلاف يعرفون الطريق الصحيح ويصرون على بلوغه فى وطن يسكنه عشرات الملايين. وكلما زاد العدد كلما أنبأ هذا بقرب الوصول إلى الكتلة الحرجة التى لا عودة بعدها، وعند وصول هذه الفئة إلى عدد معين فإن النوع بأسره يتطور فى النهاية. وهكذا فإن هذه الفئة القليلة تستطيع، إذا صح منها العزم، أن تجعل الروح ذاتها تسرى فى كل النفوس، وأن تنقل نفس المشاعر إلى أبناء الوطن المبتعدين عن دوائر التأثر والتأثير، فتجعلهم جميعاً يقومون بغسل حبة البطاطا قبل تناولها حتى لو كانوا لم يشهدوا التجربة أمام أعينهم.. وهذه هى قوة الإيمان وسحره.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية