x

مذكرات عابر سبيل : «كباب وكفتة» مع «مارلين مونرو»

الأحد 19-06-2016 22:13 | كتب: محمد الهلباوي |
موائد الرحمن موائد الرحمن تصوير : اخبار

«ماذا تفعل لو وجدت (مارلين مونرو)، بجلالة قدرها، أمامك ذات مرة، تطلب منك 2 جنيه سلف عشان تسافر المنصورة؟».. أنا شخصياً منحتها الجنيهين المطلوبين، وفوقهم 18 جنيه أخرى، لزوم الساندويتشات «الفينو» والمياه المعدنية، خلال الرحلة الطويلة، لهذه «البسكوتة الرقيقة»، إلى المنصورة، وكنت أشفق عليها من مشقة السفر، وأتمنى لو سخطنى الله سيارة «بيجو»، لأحملها إلى المنصورة وشربين والسنبلاوين ودكرنس وطلخا وأجا، والزهايرة، والبلامون، وكفر طنبول.

كان ذلك عام 1997، ولم يكن فى جيبى يومها سوى العشرين جنيها، التى منحتها لـ«المزغودة»، قبل أن أفطن إلى أننى كنت على وشك نيل جائزة «أوسكار»، فى الغباء، وكانت الـ20 جنيها كل ثروتى فى الحياة، بعد أن اشتريت كتب كلية الحقوق، بالمبلغ الذى تبقى لى لدى «عم ويصا»، مقاول البناء، الذى كان يدخر لى يوميتى، ويمنحنى جنيهاً يومياً، على سبيل «الشبرقة».

ورغم الحر فى ذلك اليوم، من أيام رمضان، وفرت ثمن تذكرة الأتوبيس، وقررت السير «سلانسيه»، من أمام جامعة القاهرة، إلى المقهى الذى يتجمع به مقاولو البناء «والأنفار اللى زى حالاتى»، حيث كنت «فواعلى كسيب»، ويعيننى على ذلك أننى كنت نظام «انتساب عادى»، ولا أتقيد بالمحاضرات.

وما إن وصلت الجيزة، حتى رأيتها أمامى، وما إن قالت لى «لو سمحت»، حتى كنت نسيت «الكلية وقروانة الأسمنت وبرويطة الرتش»، وكان مثل هذا الجمال النادر، وحده كفيلا بأن يجعلنى «يغمن عليا»، لكننى تمالكت نفسى وسألتها عن مرادها، فنكست رأسها خجلاً، وقالت لى «محتاجة 2 جنيه سلف عشان أروح المنصورة، لأن فلوسى إتسرقت».

حينها تأملت طويلاً كيف يجرؤ لص على سرقة امرأة فى هذا الجمال، وتمنيت أن أكون لصاً لأجمع ما فى جيوب كل سكان الجيزة، وأضعه فى حقيبة يدها الأنيقة، لكن لأن الإيد قصيرة، والعين بصيرة، والدنيا حر، والحالة «جيم»، مددت يدى فى جيبى الذى كان يشكو مر الأيام، والتقطت الـ20 جنيها، ومنحتها إليها، فى صمت الحملان، وأدب الصائمين، وانصرفت مسرعاً كأننى «حرامى غسيل خايف يتقفش فوق السطوح».

وأكملت المسير إلى العمرانية، حيث عم «ويصا»، وأنا أحاول أن أستجمع شجاعتى لأطلب من الرجل 20 جنيهاً أخرى من حسابى بأى حجة، وهدانى تفكيرى إلى طلب المال لشراء كتاب مهم، بعد أن أدخل فى وصلة غزل فى الرجل، على طريقة «شويكار»، فى مسرحية «سيدتى الجميلة» بداية من «أنت نعمة وإحسان»، وانتهاء بـ«أنت الكلب الكبير»، حيث كان عم «ويصا»، مغرماً بالنفاق.

وبعد ساعة من «الهتش»، وترديد محاسن الرجل، رق قلبه، ومنحنى«المعلوم»، وقال لى إن المبلغ سيكون «هبة»، ولن يخصمه من أجرتى، وحينها لم يكن يعنينى الاسم، وما إذا كان «هبة أو فتحية أو سعدية»، وكل ما كان يشغل بالى أن تعرف الـ«حتة أم عشرين»، طريقها إلى جيبى المسكين، الذى ما إن احتضن المبلغ، حتى باغتنى «عم ويصا»، قائلاً «بما إنك (مثأف) وبتستقرا عايزك تعلمنى قراية وكتوبة عشان أبقى متنور وعارف الدنيا فيها كام خرابة».

وعقدت الصفقة مع الرجل، وسرعان ما نفذنا بنودها، التى زاد عليها تناول الإفطار، فى منزله، ثم وجبة السحور على حسابه على المقهى، وكلما كان الملل يستبد بى، كنت أسرح فى شبيهة «مارلين»، وأحلم أننى ذهبت إلى بلدتها للقاء والدها «عم مونرو»، أو والدتها خالتى «صوفيا»، لأطلب يدها، وكان ذلك يعيننى على «غباء عم ويصا»، خاصة بعد أن طلب منى تعليمه «الآنون»، باعتبارى طالباً فى كلية الحقوق، وكلما كنت أشرح له درساً، أتذكر الراحل عبدالفتاح القصرى، فى فيلم «الأستاذة فاطمة»، وهو يترافع أمام المحكمة، قائلاً للقاضى الذى كان بمفرده على المنصة «يا حضرات المستشارين.. إن المتهم الواقف أمامكم، قتل حقوق الإنسان، وقتل الحرية الشخصية والعمومية، لذلك أطلب الحكم على المتهم بالإعدام شنقاً».

وكنت حينها، أتمنى شنق «عم ويصا»، فى ميدان عام، بسبب طموحه أن يلتحق بكلية الحقوق، وكان حينها، لا يعرف الفارق بين «كوز الدرة وكوز الآيس كريم»، لكننى حين كنت أجلس فى منزله، وأمامى «ربع الفرخة»، وما لذ وطاب من طعام، كانت تنهار كل خطوطى الهجومية، وبعد أن كنت أتمنى أن أخرج «قرن الغزال»، لأطعن «عم ويصا»، أجدنى أتحول إلى «باك ليفت»، وأرى الرجل جهبذا يضع أمامه سقراط، «صوابعه فى الشق».

وكنت أقترب من «شق هدومى من عم ويصا»، فى ذات مرة، حين كنت أشرح له مادة «القانون الجوى»، وأسأله «عم ويصا.. لو طيارة سودانية، طايرة فوق الصومال، خطفها واحد لبنانى، وقتل 3 ركاب هنود، واغتصب واحدة فلبينية، وأجبر قائدها على الهبوط فى السنغال، بدلاً من جنوب أفريقيا، تفتكر أى دولة من حقها تحاكمه؟»، وفاجأنى الرجل بمنتهى الثقة على طريقة «بسم الله الرحمن الرحيم الإجابة تونس»، قائلاً: «الله عليك يا أستاذ أعد»، وكلما كررت السؤال تأنى قليلاً، ثم طلب من بنته «فريدة»، إعداد «كبايتين شاى حبر عشان يستمخمخ ويفكر».

وذهبت فريدة، للنوم، وهى تدعو علينا بـ«الشلل الرعاش»، وأبوها يهرش فى رأسه، ويتحسس الإجابة، حينها وددت لو «شربت من دمه»، لكننى لم أفعل إكراماً لـ«الفرخة المشوية»، التى افترستها قبل قليل.

وأثناء عودتى من الجامعة، فى آخر أيام شهر رمضان، هل هلال «بنت النصابة»، التى همست لى فى خجل «لو سمحت محتاجة 2 جنيه عشان أسافر المنصورة لإن فلوسى إتسرقت»، وقبل أن أقول لها «يا بنت الجنيه»، كانت المباحث تلقى القبض عليها. ولأن عم ويصا رجل «واصل»، وكان «بيعمل مرمة فى بيت رئيس المباحث»، طلبت منه التوسط لى لألتقى «فتاتى»، ولو دقيقة واحدة فى الحجز، وما إن كنت أمامها حتى حكت لى قصتها من «طأطأ لفوتكم بالعافية».

وكانت «مارلين»، من حوارى الشرابية، وتقف فى الميدان لاصطياد الجنيهات من جيوب «المغفلين أمثالى»، وما إن صرخت فى وجهها، وقت أذان المغرب «حرام عليكى ده أنا كنت مش لاقى آكل وإديتك الـ20 جنيه اللى حيلتى عشان تروحى»، حتى فتحت كيس نقودها، وأخرجت 100 جنيه «روح هات لنا ربع كباب وكفتة نفطر بيهم وتعالى»، وما إن عدت، وقبل أن أضع يدى على حتة كفتة، حتى قالت لى «خد العنوان ده وروح لأبويا وقول له (سنية) ممسوكة فى القسم، وخلى الباقى عشانك».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية