«الفقى لما يسعد تيجيله خاتمتين فى يوم واحد»، وحين ابتسم لى القدر أفطرت ذات مرة مع اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة الأسبق، على مائدة رحمن واحدة، فى «دار السلام»، بالقاهرة، فى حماية الرجل شخصياً.
فى ذلك اليوم الموعود، وتحديداً فى أكتوبر 2004، وكان مر على عملى فى «المصرى اليوم»، 4 أشهر، كانت عمر الصحيفة فى ذلك الوقت، كان قلبى لا يزال يحن إلى موائد الرحمن، التى أدمنت الجلوس إليها، بصحبة «رفاق الجوع»، فاتخذت قرارى أن أتناول الإفطار، فى منطقة دار السلام الشعبية.
كنت أسير فى ذلك اليوم فى شارع قصر العينى، أحلم بتلك اللحظة، التى ودعتها قبل عدة سنوات، عملت خلالها فى عدة صحف حزبية، وانتهك صمتى وتأملى، صراخ امرأة فى وجه ضابط بدين «ربنا ينتقم منكم»، وحين تأملت المشهد وجدت الضابط يركل بقدمه صناديق المياه الغازية، التى كانت تضعها السيدة صاحبة الكشك المجاور لمجلة «روز اليوسف»، بعناية شديدة، وكنت أمسك بـ«المصرى اليوم» فى يدى.
شكلت بجسدى حائط صد، بين أقدام «الباشا الفتوة»، وبين الصناديق، محاولاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحين اعترض الضابط كررت على مسامعه كلمات السيدة المسكينة «ربنا ينتقم منكم ذنبها إيه الست دى عشان تعمل فيها كده»، فرد لى الصفعة «وإنت مال أهلك»، وحين تأتى سيرة أهلى، أتحول إلى «فتوة ملكى»، فقلت له «احترم نفسك وإلا ودينى وما أعبد أعملك كفتة فى الشارع»، وقبل أن يرد كان «البرنس ذات نفسه» يهبط من سيارته، ويجرى تجاهى والحرس خلفه واضعاً يده على كتفى قائلاً «إزيك يا مجدى عامل إيه، هوه فيه إيه»، ولأننى سريعاً أدركت الشبه الكبير، بينى وبين الكاتب الصحفى مجدى الجلاد، رئيس التحرير الأسبق للصحيفة، التى كنت لا أزال أمسكها فى يدى، رددت قائلا: « شوف يا إسماعيل بيه رجالتك بتعمل إيه فى الغلابة»، وحين نظر إلى الصناديق «ضحايا الجزمة الميرى»، أشار إلى أحد مساعديه، أن يكتب بيانات الباشا «الشبيح»، ويتولى اللازم، وفجأة تحول «هرقل»، أمامى إلى فأر مذعور، أمام «جبروت البرنس»، وحاول الاعتذار للسيدة، مبرراً الأمر، بأن «تشريفة مهمة ها تعدى»، إلا أنها لم تقبل اعتذاره.
فتحت ثلاجة الكشك، وأمسكت بـ«علبة شيكولاتة ما تطلعشى إلا للغالى»، ومنحتها لـ«الشاعر»، الذى عز عليه أن يكسفنى، ووضعها فى جيبه، فى ابتسامة ودهشة، وباغتنى قائلا «إنت مش مجدى.. إنت مين يا كابتن؟»، فقلت له «يا أفندم أنا مش مجدى الجلاد صحيح، لكن شغال معاه فى الجورنال واسمى محمد»، فظل يضحك حتى كاد يقع على «الرصيف»، ثم تركنى دون أن أدرك أنه سيفضحنى عند كل رؤساء التحرير ومندوبى الصحف فى مديرية الأمن فى المساء.
انتهيت من عملى فى ذلك اليوم، وظللت أتصعلك حتى وصلت دار السلام، على الكورنيش، بالقرب من قسم الشرطة، حيث مائدة الرحمن، التى كانت لى فيها صولات وجولات أثناء الدراسة، وما إن جلست على المقعد الوحيد الشاغر على المائدة، حتى قال لى أحدهم بصوت متعجرف «قوم من هنا، ده مكان واحد حاجزه»، وحين اعترضت قائلاً «إحنا مش فى قطر يا حج»، فوجئت بوابل من سلاطة اللسان، بدأت بـ«أنا مش حاج يا عين أمك»، وانتهت بـ«ده أنا هانفخك فى القسم»، ولم أشعر إلا بنفسى أمسك به من قفاه بعد أن أشهدت عليه «جميع مساكين المائدة»، و«فين يوجع أمك».
ومن جديد، أجد تشريفة «سكيتى»، تقف فجأة وإذا بـ«البرنس» نفسه من جديد أمامى، قائلا «يا ابنى ارحم أهلى، هوه أنا ما ورايش غيرك؟»، أحنيت رأسى خجلاً، ولمعت الدموع فى عينى، فوجدته من جديد يربت على كتفى «هوه إيه تانى اللى حصل؟»، ولم أرد هذه المرة، إذ تبرع أولاد «الجعانة الطيبين»، بتولى الوصف التفصيلى لما حدث، وفوجئت به يسأل أمين الشرطة «إنت فعلاً قلت له ده أنا هانفخك فى القسم؟»، فرد بمنتهى الأدب «أيوه يا أفندم»، فطلب منه «منقذى» الكارنيه الخاص به، ثم وضعه فى جيبه، وأمر بإحضار مجموعة كراسى من القسم، ودعا حراسته إلى الجلوس للإفطار، وطلب من «الفتوة» الانتظار بجوار سيارته، ثم تناول الإفطار معنا، وأثناء ذلك التمست من «البرنس»، أن أمنح أمين الشرطة «اللى كان عايز ينفخنى» كوب عصير، فابتسم، وما إن ذهبت إليه مددت يدى إليه بالكوب، حتى أخذنى فى حضنه، واعتذر لى قائلا: «يا أفندم والله ما كنت أعرف إن حضرتك شغال معانا فى الجهاز».
وفى الصباح وجدت زميلى يسرى البدرى وهانى رفعت، يقولان لى «كل ده يطلع منك يا هلباوى روح للأستاذ مجدى عايزك»، وما إن دخلت مكتبه حتى باغتنى قائلا «يخرب بيت أهلك إنت إيه اللى عملته مع إسماعيل به إمبارح ده.. دا أنا ها أنفخك»، ثم ابتسم وقال لى «شكراً على الشيكولاتة بتاعة إمبارح».