عندما أطاحت الدولة والمجتمع بجماعة الإخوان فى 30 يونيو 2013، لزم الأمر اتخاذ بعض الإجراءات الخشنة أو العنيفة، وقد جاء ذلك بعد سلسلة من المطالب والخطوات الناعمة التى لم يستجِب لها الإخوان، والتى افتقدت إلى الفطنة، وصل إلى حد الغباء السياسى من قبلهم. وكان رفض الانتخابات الرئاسية المبكرة بعد رفض نواكب الجمعية التأسيسية وحصار الدستورية وتمرير دستور 2012 وبقاء مجلس الشورى والإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012.. كلها تشهد ليس فقط على عدم حنكة الإخوان، بل على طول صبر الدولة العميقة والمجتمع إزائهم.
لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ نضب صبر نظام 30 يونيو 2013، ونفد الذكاء السياسى، وشح طول البال، وأصبح التعامل الخشن هو سيد الموقف، لا سيما بعد يونيو 2014 عندما خرج النظام الانتقالى من السلطة بخروج الرئيس السابق عدلى منصور. الأفق السياسى لم يعد رحبًا. ولعل أكثر ما يزعج المرء ليس المقارنة بين امتلاك الدولة العميقة الحنكة السياسية إبان نظام الإخوان مقارنة بما هو عليه الوضع الآن، بل مقارنة هذا الوضع الأخير بأيام المخلوع مبارك، حيث كان الإحساس والشعور بحالة الضيق فى الشارع غير مفتقد، رغم مناخ الفساد ومساعى التوريث.
خذ على سبيل المثال مفاجأة نظام 30 يونيو لأبناء الشعب باتفاق ترسيم الحدود مع السعودية، والإصرار على أن هذا هو المنهج الصحيح، وخذ أيضًا تداعيات هذا المشهد فى تقديم عشرات الشباب للمحاكمات بسبب عدم تحمل رأى الغيورين على بلادهم، وقبل ذلك كانت السجون حبلى بالشباب، لا سيما أنها كانت ممتلئة بالفعل بهم عقب يونيو 2013، بشكل فاق عددهم من جماعة الإخوان، وهو ما دعا البعض إلى أن يقول الثورة تأكل أبناءها، وتسجن المتظاهرين الذين أتوا بها إلى السلطة، والتى دعتهم يومًا ما للخروج إلى الشوارع فى 24 يوليو 2013!.
خذ أيضًا ما حدث منذ أيام مع نقيب الصحفيين، والتعامل الخشن بحبسه وتقديمه للمحاكمة بصفته نقيبًا للصحفيين، وذلك فى افتقاد واضح للحس السياسى والكوارث التى يمكن أن تجنيها تلك الخطوة على مصر عالميًا فى سجل حق الرأى. خذ كذلك توقيف وزير الزراعة السابق فى الشارع بطريقة مهينة ومسرحية، تؤكد التعامل الخشن والفظ مع المواطن مهما بلغ جرمه. خذ كذلك الإصرار على إسقاط عضوية مجلس النواب عن توفيق عكاشة رغم أن الجميع يعلم أنه لم يرتكب قانونًا أى جريرة، ورغم إمكانية إجباره على الاستقالة. خذ كذلك زيارة صلاح دياب عند الفجر فى مشهد مخجل أمام المستثمرين ورجال الأعمال رغم إمكانية استدعائه بشكل محترم، خذ كذلك العبث بمحتويات هشام جنينة بعد إقالته ليس لأنه فاسد بل لأنه فقط بالغ فى نظر البعض فى تقدير الفساد، وكذلك نزول مقام الرئاسة الرفيع لحد فصل ابنة الأخير من وظيفتها العامة بسبب تجاوزها بحق وزير سابق. وأخيرًا وليس آخرًا، اتهام كل متجاوز بالتآمر والخيانة!.
كل ما سبق يثبت أننا فى حاجة لمستشارين سياسيين لرئيس الدولة، يمتلكون حسا سياسيا، ولبرلمان قادر على الرقابة بدلا من الركض فى ركاب المديح، وإعلام ناقد، وأحزاب ذات صوت مسموع، كى تتوفر سعة الأفق.