رأس الخيمة، هى أكثر إمارات «دولة الإمارات العربية» صيداً لأسماك القرش، وبالذات النوع الأكثر شراسة، وهو «الذئبة» أنثى الذئب.. تليها إمارة عجمان، وهم بارعون فى تجفيف كل الأسماك، سواء لاستخدامها طعاماً لأبناء المناطق الداخلية.. أو حتى صيد السردين الذى يأكلون الكبير منه.. ثم يستخدمون الباقى سماداً لزراعة الدخان، الذى ترتفع شجيراته حتى فوق قامة الرجال!! ولكنهم أيضاً بارعون فى تجفيف لحوم القرش، على الحبال أو غصون الأشجار.. وهم يعطون اهتماماً خاصاً لتجفيف ذيول القرش وزعانفها، ليس لاستخدامها طعاماً محلياً.. ولكن لتصديرها إلى اليابان، الذين يستخدمون بعضها فى صناعة الأدوية والمنشطات الجنسية التى تنافس نبات الجينسينج الكورى الشهير.. ولكنهم يعشقون نوعاً من الشوربة تصنع من هذه الزعانف والذيول ويطلقون عليها اسم: «شوربة ذيول القرش»، حيث تتحول هذه الذيول والزعانف إلى ما يشبه نوعاً من الشعرية، أو الإسباجيتى الرفيعة.. ويقول اليابانيون إنها أفضل شوربة فى العالم.. لأنها ببساطة منشطة للعملية الجنسية، للرجال.. وللنساء أيضاً!! ولذلك هذه الشوربة هى الأغلى فى العالم كله!!
وأيضاً - فى كل دول الخليج - على الساحل الشرقى لشبه الجزيرة العربية يعشقون تناول صغار أسماك القرش، يعنى «بنت أسبوعين أو ثلاثة»، ويطلقون عليها «ولد.. الولد».. وهى الأعلى سعراً هناك، ويتم - بعد تقطيعها - قليها فى الزيت، مع كميات هائلة من البصل.. ثم «يفرك» هذا الخليط ويوضع على وش أطباق العيش، أى الأرز المطبوخ.. ولا تقدم إلا للأعزاء من الضيوف والشخصيات المهمة.. وقد أراد الشيخ سعد العبد الله الصباح، ولى عهد الكويت ورئيس وزرائها أيامها، أن يكرمنى.. فدعانى فى بيته لتناول هذه الوجبة المفضلة لأهل الخليج.. وقال يداعبنى، بعد أن انتهينا من الطعام: «يا خسارة جاى لوحدك للخليج».. والمعنى فى بطن القائل!!
وليس «ولد الولد» هو الوجبة الأكثر إثارة - وحديثاً - فى الديوانيات الشهيرة فى الكويت.. ولكنها أيضاً الحديث المفضل عند «الشواب.. أى الشياب» أقصد كبار السن.. وكيف كانوا يخفون «ولد الولد» إذا اشتروه عن العيون، تجنباً للحسد.. والقيل والقال!! بل هناك - حتى الآن - طعام مفضل لأهل الخليج، والبدو عموماً، هو هذا الفطر الشهير باسم «الفجع» أى «الكمة»، وهو نبات من الدرنات - مثل درنات البطاطس والبطاطا - ولكن من الحجم الصغير، يعنى بحجم المشمش أو البرقوق ولا تصل لحجم الخوخ.
و«الفجع» يشترط أن يبدأ نموه مع العواصف الرعدية فى المناطق الصحراوية والأرض طينية رملية مشتركة.. أى فى مناطق مخرات السيول إلى حد كبير.. ومن شدة العاصفة الرعدية مع كثرة مياه الأمطار المصاحبة تتشقق الأرض.. وتبتلع ماءها.. وبعد أسابيع قليلة ينمو هذا الفجع، ولونه بنى غامق، أو فاتح قليلاً.. ويخرج البدو لجمعه بعد تقليب الأرض بعناية فائقة حتى لا تتمزق أنسجة هذا النبات السحرى.. ودون غسيل يعرض فى الأسواق ليشتريه الأغنياء.. وقد يصل ثمن الكيلو إلى ما يعادل 300 أو 400 جنيه وأكثر، ويعود من اشتراه إلى بيته كأنه يحمل كنزاً.
وتقوم الأسرة بإعداده - بعد تقطيعه - وخلطه بكميات من البصل ويقلى الكل فى الزيت.. ثم يفرش على «وش طبق الأرز الأبيض» كبديل عن لحم الضأن.. ولا يقدم إلا للرجال.. وإن بقى شىء.. فللنساء، ثم الأطفال، وهو بديل لكل أنواع اللحوم، لأنه غنى للغاية بالبروتين النباتى، ويتغنى أهل الخليج بقيمته وثرائه الغذائى.. ويعتبرونه الفاكهة الأفضل والوجبة الأغلى فى مجتمعهم.. بفضل قوته.. الجنسية!!
■ ■ وهناك متخصصون فى البحث عن هذا الفجع فى الصحارى والبوادى.. وهو يكثر نموه فى صحراء مصر الغربية - أيضاً - وحتى داخل الصحراء الليبية، والبدو المصريون والليبيون يقومون بتصديره إلى دول الخليج العربية.. بأسعار عالية للغاية، وبالدولارات بالطبع.. وعندما «يشح» وجوده - أى يقل - ترتفع أسعاره إلى 50 دولاراً للكيلوجرام الواحد.. حسب درجة الجودة وحجم «الدرنة» وسلامتها.. ولا يهم لونها.. ولكن طعمها يشبه إلى حد كبير طعم حبات أبوفروة.. «أى الكستن»، ولكنه يختلف فى قيمته عنه.. وقد تناولته مرة مع سمو الشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات الراحل، عليه رحمة الله، وكنت فى زيارة عمل إلى سموه وهو فى جزيرة صير بنى ياس، «والصير هى الأصل»، أى من هذه الجزيرة خرج أبناء آل نهيان لينتشروا فى كل أنحاء أبوظبى.. ومازال لعابى يسيل كلما تذكرت طعم هذا الفجع فى فمى.
■ ■ كانت حلقة اليوم عن الخليج وطعام أهلها «المقوى»، ولكن ماذا عن «هوى» المصريين فيما يأكلون.. ولماذا يعشقون الجمبرى والكابوريا.. بل ما هو سر أم الخلول: مملحة وشوربة بيضاء أو بالطماطم والثوم هى وغيرها من الرخويات أمثال الجندوفلى والبقلويظ والأصداف البحرية.
■ ■ إن أردتم التفاصيل.. تعالوا بكرة!!