x

عبد الناصر سلامة إسقاط الجنسية عبد الناصر سلامة الثلاثاء 19-01-2016 21:28


فى عام ١٩٩٥ تم إلغاء قضايا الحسبة، مادامت لا توجد مصلحة شخصية مباشرة لصاحبها، وفى عام ٢٠١٤ صدر قرار جمهورى بعدم قبول أى قضايا تتعلق بالطعن فى عقود البيع المتعلقة بالدولة، إلا من خلال طرفى البيع، فى الأولى أصبح المحتسب هو النائب العام، فيما يراه يخدم الصالح العام، وفى الثانية أصبح أطراف العقد، هم فقط المنوط بهم اللجوء إلى القضاء.

فى الحالتين كان الهدف هو تصحيح أوضاع ضجت المحاكم منها، إلا أن أحداً لم يكن يفطن إلى تلك الكارثة التى أصبحت سائدة فى مجتمعنا الآن، والتى تتعلق بقضايا إسقاط الجنسية، بعد أن أصبحت المحاكم تنظر الآن، نحو ٣٠ قضية منها، وكأن من يقفون خلف هذه القضايا، من الباحثين عن الشهرة، رأوا فى أنفسهم أنهم أكثر وطنية من الآخرين، المقامة ضدهم هذه القضايا مثلاً، أو أنهم نصبوا من أنفسهم أوصياء على المجتمع.

يحدث ذلك على الرغم من أن هذه القضايا، المتعلقة بإسقاط الجنسية تحديداً، هى من اختصاص وصلاحيات رئيس الجمهورية فقط، أو رئيس الحكومة، كنائب عنه، وفى حالات محددة ومشددة، كالفتاة التى انضمت إلى جيش الاحتلال الإسرائيلى مؤخراً، وغيرت اسمها من دينا المصرى، إلى دينا عوفادى، وكما قال لى الأستاذ فريد الديب المحامى المرموق: هى قضايا خاسرة من حيث المبدأ، تشغل المحاكم، على حساب قضايا أخرى، ضج أصحابها من التأجيلات المتتالية، إلا أنها آفات المجتمع التى لا يريد بعض المرضى التعافى منها للأسف.

بدايةً، نصت المادة السادسة من الدستور على أن الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى، أو لأم مصرية، وأن الاعتراف القانونى به، ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية حق يكفله القانون وينظمه، وفى هذا الصدد قال لى أيضاً المستشار المحترم عدلى حسين: لم ينص الدستور صراحة، ولا ضمناً، على أن المصرى يمكن أن يفقد جنسيته، لأى سبب من الأسباب، وبالتالى فهى قضايا للشهرة، وتعطيل المحاكم بما لا يفيد.

نحن إذن أمام مرض، من المهم تداركه، هو الآخر، أسوة بما سبق الإشارة إليه، وهناك أيضاً الكثير من الأمراض المشابهة، مثل قضايا عزل ذلك المحافظ، أو ذاك الوزير، أو حتى الغفير، والتى يتبناها فى معظم الأحوال، عدد من المحامين، هواة الضجيج، أو الابتزاز، وهو الأمر الذى يتطلب التعجيل بإصدار قانون حاسم وبات فى هذا الأمر، يمنع قبول، أو نظر مثل هذه القضايا، من حيث المبدأ، ليس تخفيفاً عن المحاكم فقط، وإنما أيضاً تخفيفاً لحالات الابتزاز والبلطجة، التى أصبح البعض يمتهنها طوال الوقت.

أعتقد أنه فى ظل وجود برلمان الآن، من المهم أن يتبنى أحد أو عدد من النواب هذه القضية، بتقديم مشروع قانون فى هذا الشأن، أو أن تتقدم به الحكومة، وذلك حتى نغلق ذلك الباب الخلفى للتنطع وفرض الوصاية، وفى الوقت نفسه حتى يمكن تصحيح أوضاع عانى منها المجتمع لسنوات وعقود طويلة، وانساق وراءها الإعلام بفروعه المختلفة، يناقش ويهرتل، فيما لا يسمن، ولا يغنى من جوع.

نحن هنا أيها السادة، لا نتحدث عن جنسية مكتسبة، بقرار من ولى الأمر، لأحد الأجانب الذين حصلوا عليها لأى سبب من الأسباب، والتى يجوز أيضاً سحبها لأى سبب، نحن نتحدث عن المواطن، مصرى المولد، لأب أو أم، أو أبوين مصريين، مما يجعله مساوياً فى الحقوق والواجبات، حتى لرئيس الدولة، وللقاضى الذى ينظر مثل هذه القضايا، وللمواطنين كافة، ولا أفضلية هنا لأحد على آخر، إلا بالعمل الصالح، الذى يظل فى علم الغيب حتى قيام الساعة، بل قد يكون هذا الشخص المقصود، أكثر فائدة للمجتمع من مقيم الدعوى، الذى دأب على إثارة الفوضى والشغب ليس أكثر.

أعتقد أنه قد آن الأوان لعلاج هذه الآفات، بما يجعل لولى الأمر فقط، ممثلاً فى السلطة التنفيذية، أو النيابة العامة، أو جهة العمل، أو الجهة المختصة عموما، الطعن فى جنسية هذا الشخص أو ذاك، أو إقالة ذلك المسؤول أو ذاك، وذلك قطعاً للطريق على هذه الفئة التى استغلت العدالة أسوأ استغلال، ومن جهة أخرى فإنه يجب الأخذ فى الاعتبار أن الوضع الحالى، فى ضوء هذه الممارسات، يجعلنا أمام انتقاص واضح من سلطة الدولة وهيبتها، وهو ما كان يجب أن تفطن له السلطة الرسمية مبكراً، إن هى أرادت تصحيح الأوضاع.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية