x

حسن حنفي التحرش.. جنسى أم سياسى؟ حسن حنفي الأربعاء 02-12-2015 21:49


التحرش موضوع مثير فى الإعلام بين الحين والآخر. يتناوله الصحفيون والكتاب والتربويون ورجال الدين ماعدا السياسين. يتناولونه كظاهرة جنسية مع أنه قد يكون كذلك فى الظاهر ولكنه ظاهرة سياسية فى الباطن. فالسياسة حكر على أهل الحكم، فهما وتفسيرا واختيارا. الجنس والسياسة، كل منهما له تفسير واحد. لا صلة لأحدهما بالآخر كالدين والسياسة، والعلم والسياسة، والجامعة والسياسة، والوظيفة العامة والسياسة. فالسياسة من المحرمات. وهى فقط حلال لأهل الحكم. يتناولها الكاتب ويقدمها للقارئ كأنها من أفلام «البورنو». كلاهما يتخيلها كيفما شاء ما دام البورنو محرما مثل السياسة.

والتحرش مسؤولية الذكر وليست الأنثى، المثار وليس المثير. وبالرغم من إدانته والقيام بسن قوانين جديدة لتحريمه وتشديد العقاب عليه، النتيجة دون المقدمة، والمعلول دون العلة. وبالرغم من الإدانة العامة لظاهرة التحرش. فكل مُدين يود أن يكون مثل المتحرش رغبة، وتحقيقا لذاته لمسا. ويكون التحرش فرصة للمزايدة الأخلاقية، وإظهار براءة الذات، وجريمة الآخر من الفرد والإعلام والمؤسسة الدينية. فما أسهل من تبرئة الذات وتجريم الآخر أو تجريم الذات وتبرئة الآخر. فالتفسير من طرف واحد جزء من الثقافة الشعبية، القدر أو المصير أو القسمة أو الله القادر على كل شىء. والتفسير الجنسى للظواهر الاجتماعية والتصور الجنسى للعالم شائعان وجزء من التقاليد. كما أنهما يرتبطان بثقافة الحلال والحرام. فالجسد به جزء حلال يمكن الكشف عنه، وجزء حرام لا يمكن الكشف عنه. وهى دلالة الحجاب أو النقاب. كما أنها أساس الرقابة الفنية على الأفلام والبرامج التليفزيونية ومنع الصور العارية والإحالات الجنسية.

وهذه كلها ظواهر للكبت الجنسى، وغياب الإشباع الطبيعى أو صعوبته. فالزواج مُكلِّف. والسكن والمهر والأفراح تحتاج إلى عمر طويل إن لم تكن هناك إعارة للخليج ولو لعام واحد أو رشوة أو اختلاس فى وطنه. والكبت الجنسى جزء من الكبت العام، الاجتماعى والسياسى يظهر فقط فى صورة الكبت الأخلاقى. وكل ذلك يرجع إلى عدم السماح بالتعبير إلا سرا، إلا فى التحرش السياسى، والتنظيمات السرية تحت الأرض والأدب والفن الرمزى الذى يحتاج إلى تأويل من المشاهد أو القارئ لا يقدر عليه إلا من أوتى بقدرة على فهم الصور والتلميحات والإشارات كما يفعل الصوفية.

ويظهر العنف فى التحرش الجنسى وفى التحرش السياسى على حد سواء، وضد الأبرياء. إذ يمارس العنف الجنسى حتى ضد الأطفال بالاغتصاب ثم القتل، والعنف السياسى بالتفجيرات فى الأماكن العامة ضد الأبرياء، وتحميل الذنوب من لا ذنب لهم. ضحية العنف الجنسى واحد، وضحية العنف السياسى بالعشرات بل بالمئات فى حوادث إسقاط الطائرات والتفجيرات فى الأسواق والأبنية والأماكن العامة المزدحمة. فالعنف الجنسى أقل خطرا من العنف السياسى. والعنف السياسى أعنف من العنف الجنسى. وفى النهاية كلاهما عنف. والعنف الجنسى أقل عقوبة من العنف السياسى مما استدعى سن قوانين جديدة لتشديد العقوبة. والعنف السياسى أقصى عقوبة من العنف الجنسى مما استدعى قيام المظاهرات ضد الاعتقالات وتعذيب المعتقلين. وطراوة اللحم الأبيض فى التحرش الجنسى أفضل من خشونة العصا فى قمع المظاهرات فى العنف السياسى. وربما التحرش الجنسى لا يُغضب فى حين أن التحرش السياسى يدمى. وقد يشجع العنف السياسى العنف الجنسى لإبعاده عن السياسى، وإلهائه بالحسى المباشر، وادعاء الأخلاق، بل يشجع عليه، نفاقا فى نفاق.

يقع التحرش الجنسى فى الطرقات والميادين العامة ساعة الذروة ووقت الزحام حيث يصعب التفرقة بين الذكر والأنثى. وصراخ الأنثى فى التحرش الجنسى مثل صراخ الرجل فى التحرش السياسى. الأولى من صدمة المفاجأة، والثانية من ضربة العصى. والرجولة الذكورية مثل الرجولة السياسية. كلاهما بالمصطلح الشعبى «جدعنة». فالرجل الذى يعاكس المرأة «جدع». والرجل الذى يعارض نظام الحكم أيضا «جدع». «الجدعنة» قيمة فى التحرش الجنسى والتحرش السياسى على حد سواء. وتمجد الأغانى الشعبية سواء فى الجندية أو فى الحب البطولة. فالفارس فى الميدان واحد، ميدان الغرام وميدان الجهاد.

وينتهى التحرش الجنسى ليس ببيان لا أخلاقيته وجرحه أنوثة المرأة أو بالعقاب الرادع والتحذير منه بل بالحب العلنى. فالحب ليس جريمة. وقصصه فى تاريخنا الأدبى كثيرة: عنتر وعبلة، كثير عزة، حسن ونعيمة، ومواويل البطولة للفتى زهران، والحسين ثائرا وشهيدا، كل ذلك تعبير علنى، لا فرق فيه بين العواطف والأفعال. وفى «الثلاثية» لا فرق بين بلكونة حميدة وشوارع وميادين فهمى. وكثيرا ما صوّر الأدباء الوطن كفتاة جميلة. والغناء لهما واحد. وشهداء الوطن وشهداء الغرام لهم نفس الشهادة. والبعيد قريب، والقريب بعيد.

وكما أن الحل فى التحرش الجنسى هو الإشباع فإن الحل فى التحرش السياسى هو إقامة مجتمع حر ديمقراطى قادر على التعبير عن نفسه بوضوح وجلاء، وشجاعة وإقدام. والبرلمان الذى يناضل فيه المواطن هم الأهل الذين يرعون الحبيبين. وحب الفرد مثل حب الجماعة. وقد تم تصوير الوطن فى عديد من الرسومات الكاريكاتورية على أنه امرأة.

اللمس فى التحرش الجنسى يعنى ممنوع الاقتراب حتى أصبح جسد المرأة سرا أى «تابو» يصعب فهمه. وقد يصاب الرجل بالعجز الجنسى من الخوف منه. كما يصاب المواطن بالعجز السياسى ويُؤْثر الامتناع عن التصويت فى الانتخابات العامة والمشاركة السياسية. وهو ما يريده النظام السياسى بالرغم من تحدث الخطاب السياسى عن ضرورة المشاركة. تتحقق الذات عن طريق اللمس فى التحرش الجنسى وعن طريق المظاهرة فى التحرش السياسى.

التحرش إذن ليس ظاهرة جنسية، نقصا فى الأخلاق، بل هى ظاهرة سياسية مقنعة يأتى يوم أن تسقط القناع وتنتقل من جسد المرأة إلى جسد المجتمع. وينتقل المجتمع كله من الضيق إلى الانفراج، ومن الحرمان إلى الإشباع، ومن الخوف عما يدور فى النفس إلى الشجاعة فى التعبير عنه. وتكشف الملكة سبأ عن ساقيها على حوض الماء فيراها الملك سليمان.

وفى مقابلة مع أحد المعيدين الجدد لإلقاء القَسَم الجامعى فى مجلس الكلية كما يفعل الوزراء أمام الرئيس، سألته: ماذا تفعل؟ التعيين معيدا أم الزواج؟ فأجاب بلا أدنى تردد: الزواج، إذ يتطلب تكلفة عالية لا يمكن الحصول عليها إلا بالإعارة إلى الخليج، والمعيد لا يُعار لأنه ليس عضوا من أعضاء هيئة التدريس بعد، مما يتطلب العمر كله. أما التعيين معيدا وإعداد الماجستير والدكتوراه فإنه ينتظر. الجسم لا ينتظر، والعلم ينتظر. فالعاجل قبل الآجل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية