x

حسن حنفي لن أقبل إهانة رجل أعمال أم عامل؟ حسن حنفي الأربعاء 25-11-2015 21:10


مهمة القيادة السياسية هى تثقيف الشعب وتعليمه وإحكام تصوره للعالم. هكذا فعل كبار القادة والزعماء السياسيين مثل غاندى ونهرو ومانديلا وماوتسى تونج وعمر المختار وبن بيلا وعبدالناصر. ولكل منهم كلمات خالدة عُرف بها.

وقول رئيس إنه لن يقبل إهانة رجل أعمال تجعله مدافعا عن أصحاب رؤوس الأموال فى مجتمع رأسمالى أكثر منه محافظا على حقوق العمال فى مجتمع ثورى. ولما كنا أقرب إلى التقليد منا إلى التجديد بالرغم من وجود حركات الإصلاح المتعددة لدينا، نؤمن بأن الرئيس يعلم ما لا يعلمه الناس، ويفهم أكثر مما يفهمه الناس، ولديهم نماذج: أحمد عرابى وسعد زغلول وعبد الناصر وظلت كلماتهم سجل التاريخ مثل عبارة أحمد عرابى تلميذ الأفغانى للخديو إسماعيل واقفا أمامه مرفوع القامة: «إن الله خلقنا أحرارا ولم يخلقنا عقارا. والله لا نورث بعد اليوم» أو عبارة عبدالناصر «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» بعد هزيمة 1967. ثم يقوم مفكرو السلطة بتفسير هذه العبارات البليغة. وينشرونها كثقافة سياسية للناس أو للوصول إلى أعتاب السلطة ليتلقوا مقابل ما قاموا به من مال أو جاه أو سلطان وتصبح الثقافة السياسية للعصر.

والحجة فى ذلك تشغيل العمال، وإيجاد فرص للعمل لهم. وهو رأس المال الذى يقوم بتنمية موارد البلاد من أجل زيادة الدخل القومى وبالتالى زيادة دخل الفرد والأسرة، والقيام بالخدمات اللازمة من ماء للشرب وكهرباء للإنارة، وطرق للرصف، ومواسير للصرف الصحى، وعربات وقطارات للمواصلات، ومدارس للتعليم، ومستشفيات للعلاج. وبالتالى يسلب رجال الأعمال مسؤولية الدول ويحيلوها إلى القطاع الخاص بغرض الربح والذى لا يستطيع الفقراء دفع ثمنه. ويستطيع رجال الأعمال تعويض البلاد عن الدعم الخارجى إذا ما توقف كأداة ضغط سياسى برأس مال وطنى كما حدث منذ بناء السد العالى حتى حفر التفريعة الثانية لقناة السويس. وهناك فرق بين رأس المال الوطنى الذى يبغى التنمية ورأس مال رجال الأعمال الذى يبغى الربح حتى لو كان فيه إضرار بالصالح العام.

وبعد أن تسمح السلطة السياسية بالعمل الحر لرأس المال يسيطر رأس المال على السلطة السياسية. ويصبح تسمية الحكومة «حكومة رجال الأعمال». ويصبح رأس المال هو المتحكم فى الحياة السياسية. وتخضع السلطة السياسية لسلطة رأس المال. ويعود الحزب الحاكم السابق على الثورة ورجالاته إلى الحكم عن طريق رجال الأعمال. وتحتاج السلطة السياسية بعد الثورة إليهم لتدعيم سلطتها بخدمات شرعية للناس كتخدير لهم وتحسين صورة رأس المال. ولما كان رجال الأعمال هم رجال الحكم أو المسيطرون عليهم سنت القوانين لصالحهم. وعم الفساد بالرشاوى والعمولات. وتغلبت المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. وتم تهريب الأموال إلى الخارج خوفا من أن يحدث أى تغير سياسى فى الداخل، ثورة أو تأميم أو انقلاب. فتوضع رؤوس الأموال تحت الحراسة، وأصحاب رؤوس الأموال فى السجون. ويتحول الشك إلى يقين، وأن الدولة هى دولة رجال الأعمال، والحكم هو حكم رأس المال، علنا وبلا خفاء. السلطة تحمى رأس المال، ولا تسمح للمساس به. ورأس المال يدعم السلطة ضد أى محاولة لمعارضتها. ويسيطر على الانتخابات الشكلية وعلى أصوات مجلس النواب الذى لا يدخله إلا طامع فى أن ينضم إلى مجموعة رأس المال من رجال الأعمال. ويصبح رجال الحكم ورجال الأعمال واجهتين لعملة واحدة. وتسن القوانين، وتصاغ الدساتير، ويُعين محافظو البنوك ورؤساء الشركات دفاعا عن رأس المال، وعدم إهانة رجال الأعمال بوضع «الكلابشات» فى أيديهم بعد القبض عليهم للحفاظ على سيطرتهم وسلطتهم. وقد يكون الظاهر هو المال ولكن الحقيقة هو خروج بعض رجال الأعمال عن خط رجال السياسة طمعا فى أن يصبحوا رجال سياسة نيابة عنهم. ويتحقق ما يُقال فى الكتب النظرية فى العلوم السياسية عن تحكم رأس المال فى الحكم، وحماية رأس المال بأعلى سلطة فى الدولة، وهو الرئيس. ثم يرد رأس المال للرئيس المعروف بالدفاع عن أى محاولة لتنحيته أو الانقلاب عليه أو الثورة ضده. وتـُطلق أيادى رجال الأعمال فى الدولة يوجهونها كيف يشاءون. فتسمى بحق دولة رجال الأعمال التى أجرى حولها عديد من الروايات والأفلام لبيان كيفية قيامها وتسلط رأس المال فيها ثم سقوطها تصويرا لما يحدث فى الواقع من قيام النظام الرأسمالى ثم سقوطه، فأين حقوق العمال؟ وأين تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور؟ وأين الخدمات الاجتماعية التى يحتاجها العمال ويقتّر فيها رجال الأعمال؟ فمن الأولى بالإهانة أو الاحترام، رجال الأعمال أم العمال؟ لذلك تقوم مظاهرات للعمال دفاعا عن حقوقهم ضد رجال الأعمال. كما يهجرون العمل داخل الوطن إلى خارج البلاد حتى لو كلفهم ذلك التضحية بحياتهم غرقا فى البحار من خلال الهجرات غير الشرعية وانقلاب القوارب بهم. ولماذا هذه النسبة العامة من البطالة بين العمال إن لن يكن رجال الأعمال مسؤولين عن ذلك؟ ومن المسؤول عن الفقر والمرض والأمية لآلاف من العمال العاطلين؟

وفى لحظة تاريخية ما، يكتشف العمال كذب الخطاب السياسى واستغلال رجال الأعمال لهم، وأن القوتين، القوة السياسية وقوة رأس المال إنما تلعبان ضدهم، وأن كليهما يعملان ضد مصالح الشعب، وأن النخبة السياسية والاقتصادية هى التى تتحكم فى الأغلبية التى هى فى حاجة إلى من يدافع عن مصالحها السياسية والاقتصادية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، الحرية والخبز.

ويثور العمال ضد رجال الحكم ورجال الأعمال دفاعا عن المصالح العامة، ودرءا للأخطار المحدقة بالوطن. والثورة ضد الظلم والاستبداد ليست صنيعة مؤمرات خارجية أو داخلية من أعداء الوطن والذين يودون له الخراب، والتجزئة والتفتت كما حدث للأقطار المجاورة غربا وشمالا وجنوبا وربما شرقا يأتى فيما بعد نظرا للتفاوت الشديد بين الأغنياء والفقراء، بين أصحاب المكان والمهاجرين من الشرق والغرب، من آسيا وأفريقيا.

ولماذا التفريط فى مكاسب ثورة 23 يوليو 1952؟ لقد نال العمال جزءا من حقوقهم: المرتب، الإسكان، العلاج، مجانية التعليم، المدارس، إلغاء الفصل التعسفى، النقابات. وما يحدث الآن هو تكوين أعداء للنظام السياسى الذى يود فقط الاستقرار الأمنى. ويتحد العمال مع الطلبة للمطالبة بالحقوق فى الهتاف المشهور الأول «يحيا الطلبة مع العمال» والذى تجدد فى الغناء الثانى «عمال وفلاحين وطلبة، دقت ساعتنا واشتكينا».

ليس المقصود بهذا التحليل وصف واقعة معينة بل هو تحليل نظرى للعلاقة بين رجال الحكم ورجال الأعمال. هياج الصحفيين يشير إلى أن هناك إهانة حدثت لرجل أعمال من أجهزة الأمن والمخابرات العامة. ومؤسس صحيفة مستقلة ليس فقط رجل أعمال بل هو أيضا رجل فكر وصاحب رأى مستقل عن السياسة العامة لرجال الحكم ورجال الأعمال. يشار إليه على أنه من رجال الأعمال ولكن المقصود هو مؤسس الجريدة المستقلة والرأى الذى لا يتفق بالضرورة مع رجال الحكم. هى عملية «لى ذراع» أو «قرصة ودن». ثم يتم الدفاع عنه من رجال الحكم لإثبات حرية الرأى قبل الاقتصاد الحر. وهو نوع من النفاق السياسى، وإظهار غير ما يبطن. كما أنها ليست معركة أخلاقية، إهانة أو احترام. وليست معركة شخصية، قبول أو لا قبول، أحب أو لا أحب، بل هى معركة حرية الرأى التى بدأت تضيق الخناق على رجال الحكم ورجال الأعمال على حد سواء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية