x

حسن حنفي انتفاضة السكاكين حسن حنفي الأربعاء 28-10-2015 21:22


عُرف لفظ «الثورة» فى التراث الثورى العالمى منذ الثورة الفرنسية وقبلها. وأضاف الفلسطينيون لفظ «انتفاضة» منذ الانتفاضتين الأولى والثانية حتى ما يحدث الآن من انتفاضة السكاكين. وهو إبداع ثورى فى التراث الثورى الشعبى العربى. وتعنى الانتفاضة: شعب فى مقابل جيش، أطفال ونساء وشباب وشيوخ بسلاح أبيض فى مواجهة دولة وقوى احتلال. مقاومة بالصدر المفتوح للرشاشات والمدافع والدبابات والمصفحات. القلب فى مواجهة الحديد. حركة وطنية بكل فروعها، إسلامية ووطنية فى مواجهة حركة صهيونية طردت شعبا، واحتلت الأرض. ومازال الاستيطان على قدم وساق. اشتعلت عندما امتد الاحتلال إلى المسجد الأقصى لهدمه وإعادة بناء هيكل سليمان مكانه كما يدعى المؤرخون الصهاينة. وهو المكان الذى يقدسه خمس سكان العالم، أكثر من مليار وربع من المسلمين. ثم امتدت الانتفاضة إلى عموم الضفة الغربية وضد كل المستوطنين وليس القدس وحدها. بل امتدت إلى فلسطين المحتلة منذ 1948 والتى مازالت تحتوى على خمس الفلسطينيين، السكان الأصليين فى دولة إسرائيل. والسكين تطوير للسيف العربى الذى أصبح علامة على الشجاعة، والفروسية، نموذج عنترة بن شداد. ونظرا لاختفاء العدو وراء المصفحات فإن السيف تحول إلى سكين يبحث عن عدوه أينما اختفى. وشجاعة اليد خير من حداثة السلاح.

لقد وحدت الانتفاضة الفلسطينيين. وقضت على الخلاف بين فصائل المقاومة. فالعمل يوحد، والمقاومة تجمع. فتح وحماس، الكل بيده سكين يقاوم وليس فقط لسانا يتكلم. ويأتى جيل جديد يشبه جيل الربيع العربى يعمل قبل أن يتكلم. ويقاوم قبل أن ينادى. والحق مشفوع بالقوة. والرأى العام الدولى بدأ يتحرك نحو الحق الفلسطينى. واجهت الجيوش العربية عدة مرات جيش الاحتلال الإسرائيلى. ومازال الاحتلال جاثما على الصدر. والآن يواجه الشعب الفلسطينى جيش الاحتلال ويقلقه.

ويتحرك العرب ببعض الأقلام، والأصوات العالية لدرجة الصراخ فى مظاهرة هنا وهناك دون مساعدة فعلية فى الميدان. وهذا أضعف الإيمان. وتـُذكر فلسطين فى الخطب السياسية الرنانة دون المساجد، فهذا تدخل فى السياسة وخلط بين الدين والسياسة. وفى الواقع تغلق المعابر بين مصر وفلسطين. ويُقام حاجز أمنى على الحدود الذى طالما كانت إسرائيل تتمناه. بل تتم الدعوة من بعض الرؤساء العرب لتوسيع السلام بين العرب وإسرائيل دون شرط الانسحاب ودون الالتزام بخطة السلام العربية، السلام فى مقابل الانسحاب، والأرض فى مقابل السلام. القلب ينبض فى فلسطين وباقى الجسد العربى لا يتحرك. لم تعد وجهة النظر فلسطين والعدو الخارجى، بل الأراضى الوطنية والعدو الداخلى، طائفة ضد طائفة، وعرقا ضد عرق، وسلطانا ضد سلطان. قد تكون الانتفاضة الفلسطينية هى الدم الجديد فى جسد الربيع العربى ليوقظه من سباته، ويصحح مجراه. فتلتحم انتفاضة السكاكين مع ثورة الجماهير. وتعطى الانتفاضة، آخر الثورات العربية، نارا جديدة تعيد إشعال أولها. وتعطى الانتفاضة دروسا جديدة للثورة العربية، الوحدة بدلا من التفتت والتجزئة، والسلاح الأبيض بدلا من إطلاق النار، مواجهة العدو الخارجى وليست حروبا داخلية بين الطوائف والأقوام.

لا ريب أن هناك إحساسا بالذنب لدى العرب أنهم تركوا انتفاضة السكاكين تقاوم بمفردها. كيف ينقذون الأطفال والنساء والشيوخ؟ وهو فى نفس الوقت إحساس بالعجز. فالحدود بين بلادهم وفلسطين مغلقة. وحماس معتبرة منظمة إرهابية، والقوى الشعبية موجهة ضد الإرهاب الذى أصبح بديلا عن الاحتلال الإسرائيلى. ولا يدرى العرب كيف يعبرون عن الغضب المكبوت داخلهم؟ كيف يناصرون الانتفاضة وهم لا يستطيعون الحركة عبر الحدود؟ مصر والأردن وسوريا ولبنان، كل فى همه عاكف عليه. مصر فى الاستقرار الأمنى. والأردن خوفا من أن يصيبها ما أصاب سوريا. وسوريا يضرب السوريون بعضهم بعضا. والآن أتت القوى الكبرى لتناصر فريقا دون فريق. ولبنان عاجز حتى عن أن يجد رئيسا له. وانضمت قوة رئيسية فيه إلى طرف سورى دون طرف مع قوة خارجية أخرى. فأصبحت الثورة السورية مخنوقة جوا وبرا وبحرا.

تستغرق انتفاضة السكاكين طويلا، طالما القلب مازال ينبض، واليد مازالت قابضة على السكين، السلاح الأبيض فى جسد العدو، واليد الخشبية جسد عربى لعله يتحرك. ليست انتفاضة السكاكين مثل حرب الأيام الستة زمنا، والتى أخذت شهرة بقصرها وانتصارها. وليست حرب أكتوبر التى طالت أسبوعين ثم توقفت للمفاوضات. وليست حرب 1948 التى دامت عدة أشهر وانتهت بالهزيمة. هى حرب طويلة طالما أن قابضى السكاكين مازالوا أحياء. لقد طال الاحتلال الإسرائيلى وقارب السبعين عاما. وهو الاحتلال الوحيد الذى مازال باقيا بعد تحرير الهند وجنوب أفريقيا. بقى أن يستيقظ الجسد العربى كحائط منيع لانتفاضة السكاكين حتى لا تعمل وحدها. إن الحرب ليست فقط حرب الجيوش، جيش فى مقابل جيش بل هى أيضا شعب فى مقابل جيش. فقد تحررت الهند بهذه الطريقة. يخجل الإنسان أن يكون عربيا يتفرج على مشهد انتفاضة السكاكين والأطفال والنساء والشيوخ والشبان يتساقطون شهداء، رافعين السكاكين بيد، والعلم الفلسطينى باليد الأخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله على اللسان.

لم يحدث أن ثار الشعب الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى إلا هذه المرة، ومرة سابقة، ثورة عز الدين القسام 1935، بعد الانتفاضتين الأولى والثانية. جيل جديد يقاوم بعد أن جرب الجيل القديم حرب الجيوش النظامية، وتدخل القوى الكبرى بالسلاح لهذا الطرف أو ذاك. وتنضم فلسطين إلى الثورة العربية الكبرى منذ يناير 2011 بعد مصر وتونس وسوريا والعراق وليبيا واليمن. تعطى درسا فى الثورة الشعبية التى تسبق قيادتها، دون أن تظل بلا قيادة حتى يسيطر عليها الجيش أو الجماعات الدينية كما حدث فى مصر. قد تنال انتفاضة السكاكين جائزة نوبل كنموذج لتجميع المقاومة والحد الأدنى من المقاومة كما حدث فى تونس. وتقارن انتفاضة السكاكين بالمقاومة الفيتنامية بالصواريخ قصيرة المدى، صاروخ من بين الأشجار، فى مقاومة الاحتلال الأمريكى وطائرات فانتوم 23 لإثبات أن الإنسان أقوى من السلاح وأن الحق أقوى من الباطل، وأن الحرية أقوى من الاستعباد. والشهيد الفلسطينى سعيد بموته، والقتيل الإسرائيلى يندب حظه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية