«تذكر أن الشيطان والجان والغجر كلهم يسرقون روحك».. لم تفارقنى عبارة «اليف شافاك» كلما شاهدت مسلسلا على الفضائيات، فهى تراود الذات التى تعيد صياغتها لتصبح «تذكر أنهم وحواراتهم واستنساخهم وسذاجتهم يسرقون عقلك»، فتتحول إلى دابة مبصرة ترى فقط وتسمع، دون أن تجد شيئا ثمينا يداعب خيالك أو يريك شيئا جديدا فى الحياة أو حتى يسليك للنهاية، بالتأكيد لكل قاعدة استثناء، وهناك أذواق عدة قد لا يروقهم ما أرى وما أطرح، وهنا لا أفرض عليك رأيا أو ذوقا، بل أسرد تجربة مشاهد لا يرغب أن يتوقف عقله لمجرد أن كاتبا أراد استنساخ تجربة من الماضى، أو حاول إلباس ثوب خياله القاصر لرائعة تربينا عليها وكبرنا على كلماتها «ليه يا زمان مسبتناش أبريا».
لم يزعجنى فقط «ليالى الحلمية» ذلك العمل البائس الذى شوش على ذكريات عظيمة تقاسمناها عبر سنوات، فالظاهرة التى سيطرت على الشاشات خلال السنوات الأخيرة بدأت فى التعاظم، فالحل اليوم فى دراما هذا الأيام أن تصنع أمراً من اثنين: الأول أن تستنسخ فيلما أو مسلسلا نجح فى الماضى لتقدمه إلينا من جديد، أما الثانى فهو أن تأتى بتجارب من الخارج، سواء قصص أو طريقة ما للمؤثرات لتصنع شيئا مغايرا، لكنه لا يحمل ذلك العمق الذى نبغيه، فهو محاولة للتغيير غير أن تكرارها لن يأتى بنفس رد الفعل «نيللى كريم غرقانة فى ذلك اليم للأسف».
أظهرت وسائل التواصل الاجتماعى والرغبة فى النفاذ للدراما على الإنترنت معادلة جديدة فى تقديم الاقتباسات من تلك الأعمال للدرجة التى تساعدك أن تكتشف قوة الحوار وتماسكه بين الشخصيات ومن ثم قدرة المؤلف أو السيناريست الذى تصدى للعمل، ولهذا فالاقتباسات كثيرا ما تكون فاضحة وواضحة لكى تقول إنك تستطيع أن تصنع أفضل منها بتراكم أو خبرة حياة، بل وتزيد بأن تصرخ بملء فمك «من السهل أن أكون مؤلفا ما دامت الكتابة سهلة بتلك الطريقة»، قرأت بالطبع اقتباسات جيدة من بعض الأعمال، أما المحصلة النهائية فمحبطة وتبعث على الأسى.
لن أعود إلى الماضى لأتذكر تلك الأسماء التى كتبت روائع مازلنا نتذكرها، ولو سألت نفسك ماذا فعل نجوم الدراما العام الماضى ستنسى ماذا فعلوا، فى حين لن تنسى مثلا «عصفور النار» للرائع أسامة أنور عكاشة، و«لا إله إلا الله» لأمينة الصاوى، و«محمد رسول الله» لجودة السحار، و«على هامش السيرة» لطه حسين، و«غوايش»، و«المال والبنون» لمحمد جلال عبدالقوى، وغيرها من أعمال حفرت فى قلوبنا قبل عقولنا.
حضر فى الدراما اليوم العرى والإيحاءات والفحش من القول، فالسب والشتائم جعلوها مركز الاهتمام، ففى كل مشهد لابد من إقحامها دون أن يسعى ذلك السيناريست إلى جلب بدائل تغنينا عن سماع لغة ساقطة لن يتأثر العمل الدرامى إذا خلا منها.
فى زخم تلك المسلسلات التى تريدنا مجرد حمير تبحث عن أوصياء، ألوذ بنفسى إلى قناة مصرية هى «تن» لأشاهد عملا تاريخيا رائعا «سمرقند» ليكون استراحة لتطهير عقل وروح بحوار راقٍ وموسيقى ومؤثرات وأداء متميز لـ«عابد فهد»، وإن فاتنى أبحث عنه فى القنوات الخليجية لعلى أهنأ بتلك اللحظات ما دام الفقر والسذاجة صارا حليفين لهؤلاء الذين يصنعون الدراما المصرية، وأتحسر على تلك الأعمال التاريخية التى صنعناها حتى جاء اليوم الذى أبحث عن اسم المؤلف من الأشقاء السوريين لأتيقن أننى أمام عمل «الجهد والجدة دستوره»، دعونا نستمتع بالجدية والعبرة والتاريخ لعلنا نصيب شيئا فى زحام غباء منقطع النظير سيزيد عاما بعد عام ما دام التراجع ضرب معظم مناحى حياتنا ولم يترك الفن، ومن ثم تجد شخصا مثل محمد رمضان يتفاخر بأنه سيكون رقم واحد لمجرد أنه يعكس شخصية البلطجى بتنويعاتها فى أعماله، ولهذا ولذاك أذهب إلى خالد الصاوى لأتذكر معنى الفن وأطرد الشعور السلبى بأنهم سرقوا عقلى..!!