x

إبراهيم البحراوي السلام بين دهاء نتنياهو ومهارات السيسى المخابراتية (2-2) إبراهيم البحراوي السبت 11-06-2016 22:05


أوضحت فى الجزء الأول من هذه الدراسة أن مقصدى الرئيسى هو حماية الدور المصرى الذى تجدَّد فى عملية السلام من أى تلاعب من جانب الأيديولوجى المتطرف بنيامين نتنياهو، الذى يملى عليه دهاؤه ومكره التخفّى فى مسوح السياسى البراجماتى البعيد عن التصلب، ليمرر أهدافه فى التوسع بأساليب لينة. إننى أتطلع إلى حواس اليقظة المعروفة عن الرئيس المصرى معولاً عليها فى تجنب الوقوع فى أى كمائن سياسية تسىء إلى دورنا القومى، وأرجو لجهود الرئيس الهادفة لإيجاد حل يرضى طموحات شعبنا العربى الفلسطينى أن تتكلل بالنجاح فى وضع عربى وإقليمى شديد الصعوبة. لقد بينت فى كشف حساب الربح والخسارة الخاص بخطاب أسيوط الذى ألقاه الرئيس، أنه تمكَّن من إخراج المسرح السياسى الإسرائيلى من حالة التكلس حول أطماع التوسع، وأطلق حراكاً وحواراً سياسياً حول عملية السلام أعاد قوى السلام الإسرائيلية بقيادة هرتزوج إلى الواجهة مرة أخرى بعد انزواء لمدة طويلة. إن هذا النجاح المصرى- فى تقديرى- لن يتعزز بالركون إلى حالة الاطمئنان والرضا عن النفس وعما تحقق فحسب، بل إن الطريق الرئيسى لنجاحه يتمثل فى اليقظة والتحسب والتقييم المستمر لخطوات نتنياهو. فى هذا الصدد شرعنا فى الجزء الأول من الدراسة فى بيان كيف استثمر الداهية نتنياهو خطاب أسيوط وما ارتبط به من كلام عن مبادرة مشتركة من الرئيس السيسى وبلير للتغرير بهرتزوج، زعيم المعسكر الصهيونى المطالب بالسلام، واستدراجه لمفاوضات للانضمام للحكومة، وتبين فى النهاية أنها كانت وسيلة لاجتذاب ليبرمان المتطرف ليدخل الحكومة ويبقى هرتزوج خارجها بأحلامه الضائعة عن السلام. كانت هذه هى النقطة الأولى التى توقفنا عندها، ولنتابع هنا النقاط الأخرى التى تبين كيف استثمر نتنياهو خطاب أسيوط. ثانيا: عزز نتنياهو التوجه اليمينى المتصلب لحكومته، تمهيدا للدخول فى مفاوضات متصلبة مع العالم العربى وهيأ الأسماع لهذا فى مؤتمره الصحفى بمناسبة تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع، عندما أعلن أنه يطالب بتعديل مبادرة السلام العربية لتضع فى الاعتبار التطورات التى استجدت فى المنطقة منذ عام ٢٠٠٢. هنا علينا أن نجيل النظر فى الخريطة السياسية للمنطقة لنرى ما هى هذه التطورات التى يشير إليها نتنياهو فنجد انهيارا لعدد من الدول العربية، بينها سوريا صاحبة هضبة الجولان المحتلة ونجد توسيعا للاستيطان اليهودى فى الهضبة وتصميما على الاحتفاظ بها جزءا من إسرائيل ونجد توسعا فى استيطان مساحات كبيرة فى الضفة الغربية وتهويدا للقدس الشرقية المحتلة عام ١٩٦٧ ونجد خللا متزايدا فى ميزان القوى فى المنطقة يميل لصالح إسرائيل. إذن كيف يريدنا نتنياهو أن نضع هذه التطورات فى الاعتبار ونحن نعدل المبادرة العربية بناء على طلب سيادته هذا ما سنسمعه منه بالتفصيل مع بدء المفاوضات إذا بدأت. ثالثا: روج نتنياهو لفكرة عقد مؤتمر سلام إقليمى بمشاركة الدول العربية وقال إنه يفضله وكان يستهدف بهذا إفشال المبادرة الفرنسية ورفض المؤتمر الدولى الذى انعقد فى باريس على أساسها بحجة أن المؤتمرات الدولية تفرض إملاءات على إسرائيل وتشجع الفلسطينيين على تصعيد سقف مطالبهم رابعا: عندما لاحظ نتنياهو مشاعر الصدمة التى حلت بالعرب نتيجة ضم ليبرمان المتطرف للحكومة بدلا من هرتزوج المعتدل عاد إلى محاولة طمأنة العرب وذلك بمغازلة هرتزوج ودعوته للانضمام للحكومة ليدخلها من موقف ضعف لا يسمح له بالمنادة بتطبيق معادلة الأرض مقابل السلام كاملة. هنا نسجل أن هرتزوج أجاب على هذا الغزل بالقول إنه يترك الباب مفتوحا إذا عدل نتنياهو موقفه الذى اختار فيه التحالف مع اليمين المتطرف. وهنا يصبح السؤال: كيف سيعدل نتنياهو موقفه؟ هل سيخرج من حكومته نفتالى بينت زعيم حزب المستوطنين (البيت اليهودى).. أم أنه سيكتفى بما فعله من إقناع ليبرمان بالإعلان عن قبول حل الدولتين لتجميل صورة حكومة اليمين.. أم أن جعبة الدهاء والمكر ستفرز حيلة أخرى لطمأنة العرب وتشجيعهم على الدخول فى مفاوضات تعديل المبادرة العربية؟ هذا ما يجب أن نركز أنظارنا عليه.

■ إن أكثر ما يدعونى للاطمئنان إلى أن نتنياهو لن ينجح بمكره ودهائه فى الحصول على السلام من الدول العربية بأبخس الأثمان من بوابة القاهرة هو يقينى من أن الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى لديه حظا كافيا من مواهب التحسب والتدبير والتدبر ونصيبا واضحا من حواس الحذر واستشعارات الخطر. معنى هذا أن الرئيس المصرى على دراية كافية بطبائع المكر والدهاء اللى يتسم بها بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل واللاعب الإسرائيلى- بحكم منصبه- فى عملية السلام المتجددة. بالتالى لست أشك أن الرئيس السيسى يدرك وهو يتعامل فى ملف السلام مع نتنياهو أهمية الحفاظ على مهاراته التخطيطية فى حالة نشاط مستمر وإصدار أوامر مستديمة لمراكز خبرات التحسب والتحوط والتوقع التى اكتسبها من عالم المخابرات بأن تظل فى حالة يقظة وتأهب مع تنبيهها أنه لا مجال هنا للاسترخاء والركون إلى تصورات حسن نوايا الداهية نتنياهو مهما بدا ظاهريا معسول الكلام صادق النوايا.

■ لقد انشغلت بحكم التخصص العلمى بمراقبة تصرفات نتنياهو لأكثر من عشرين سنة منذ كان يحرض أنصاره المتهوسين قبل عام ١٩٩٥ ضد إسحق رابين لقيامه بتوقيع اتفاقية أوسلو وتسليم السلطة الفلسطينية أجزاء من الضفة الغربية. لقد تم اغتيال رابين فى نوفمبر ١٩٩٥ فى خضم حملة التحريض التى كان يشنها نتنياهو ضده والتى وصلت به لأن يقول لأنصاره فى خطاب استمعت إليه شخصيا بنفسى (لقد فشلت بالطرق السياسية فى وقف رابين) وهو ما يعنى فتح الباب أمامهم لوقف سياسات رابين بطرق أخرى غير سياسية. المذهل أنه بدلا من أن يحاكم نتنياهو بتهمة التحريض وخلق أجواء الإثارة الديماجوجية التى أدت إلى قتل رابين نجده يحتل منصب رئيس الوزراء فى الانتخابات التى تلت اغتيال رابين عام ١٩٩٦. إننى أرجح أن تكون طبائع المكر والدهاء وما يرتبط بها من خداع مع خصومه وغدر مع حلفائه غائرة فى شخصية نتنياهو ذلك أننى ألاحظ أنها ثابتة ومطردة فى تشكيل سلوكه السياسى حتى اليوم وهى تمثل سلاحه الرئيسى الذى يكسب به معاركه السياسية ويحقق به أهدافه سواء فى الساحة السياسية الإسرائيلية الداخلية أو فى ساحة العلاقات الخارجية وهو أمر سأعطى عليه نماذج فى معالجات أخرى.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية