■ من السطر الأول أقول بوضوح إن هدفى من التفكير المشترك مع القراء هنا هو حماية الدور المصرى الذى بدأ يتعافى ويستأنف نشاطه فى المجال العربى والإقليمى لحل القضية الفلسطينية، من أى ألاعيب أو حيل يمكن أن يتعرض لها من جانب نتنياهو، وبالتالى يمتد هدفى منطقياً إلى تعظيم هذا الدور وضمان نجاحه فى تحقيق مقاصده لتحقيق سلام شامل وعادل طال انتظارنا له.
■ لقد تجدد الدور المصرى أخيراً بخطاب أسيوط الذى ألقاه الرئيس المصرى فى منتصف شهر مايو المنصرم، والذى أدى فى إسرائيل إلى حراك سياسى كبير، وإلى أن يطفو على السطح السياسى والإعلامى الإسرائيلى نقاش وحوار جاد حول عملية السلام. حدث هذا بعد مشهد سياسى فى إسرائيل تميز بالسبات فترة طويلة للحوار الداخلى حول حل القضية الفلسطينية، وبعد سيطرة طال مداها على الساحة الإسرائيلية من جانب ساسة العنف اليمينى المفرط ضد الشعب الفلسطينى وبعد هيمنة على الرأى العام فى إسرائيل من جانب دعاة الاستعمار الاستيطانى وابتلاع الضفة الغربية، وبعد جولات انتصار عديدة أحرزها المنظرون والفلاسفة اليمينيون الذين استطاعوا إسكات أصوات دعاة السلام الإسرائيليين، ومحاصرة وعزل أنصار حل إقامة الدولة الفلسطينية عن الرأى العام بأمرين: الأول قولهم إن ساسة اليمين بقيادة نتنياهو قادرون على إبطال مفعول معادلة إعادة الأرض المحتلة مقابل الحصول على السلام من جانب العرب، وتحقيق إحدى الأعاجيب- التى لا تخطر ببال أنصار حل الدولتين- وذلك بالقدرة على الإتيان لإسرائيل بالأرض المحتلة وبالسلام مع العرب فى نفس الوقت. أما الأمر الثانى، فهو القول بقدرة معسكر اليمين بقيادة نتنياهو على شل أى مبادرات دولية أمريكية كانت أم أوروبية تحاول حل القضية دون أى تكلفة سياسية تتحملها إسرائيل، فضلا عن المناداة بقدرة نتنياهو على تفريغ أى مفاوضات مباشرة من هدفها لإدامة وضع الاحتلال والاستيطان القائم وتكريسه فى وعى العرب والعالم ليصبح مقبولا عند الجميع باعتباره سلام الأمر الواقع والحل النهائى للقضية الفلسطينية.
■ إذا أردنا قياس أثر خطاب أسيوط بإجراء حساب أولى للربح والخسارة فسنجد فى كفة الأرباح أنه يحسب له أنه استطاع أن يحدث هزة قوية فى هذه الصورة الداخلية الإسرائيلية الراكدة، وأطلق حراكا فى هذه الأجواء الإسرائيلية المتكلسة بعفونة الاحتلال والأطماع التوسعية وأعاد الاعتبار لأنصار السلام وحل الدولتين ووضع فى الواجهة السياسية مرة أخرى هرتزوج زعيم المعسكر الصهيونى المنادى بالسلام على أساس معادلة الأرض مقابل السلام. لقد جاء خطاب الرئيس السيسى فى أسيوط إذن ليثير روحا مختلفة فى الساحة الإسرائيلية عندما نادى الرئيس المصرى بإقامة سلام عادل بين الدول العربية وإسرائيل وفى القلب منه حل القضية الفلسطينية على أساس رؤية الدولتين ومبادئ مبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت عام ٢٠٠٢.
■ غير أنه من الناحية الأخرى علينا أن نتحسب ونقيم مهارات الدهاء عند نتنياهو وكيف تعامل مع خطاب أسيوط وكيف استغله فيما يلى. أولا: فى التغرير بهرتزوج زعيم المعسكر الصهيونى الداعى بجدية لحل الدولتين وفى هذه النقطة علينا من الآن أن نراقب مسار ونهاية اللعبة التى ما زالت مفتوحة والتى غرر فيها نتنياهو بهرتزوج زعيم المعارضة، عندما دعاه إلى مفاوضات للانضمام للحكومة ملوحا له- كما يفهم من المصادر الصحفية الإسرائيلية- بوجود مشروع سلام يقوده الرئيس المصرى وبلير، ممثل اللجنة الرباعية الدولية. لقد صدق هرتزوج أقوال نتنياهو عن نواياه الجديدة للسلام وظن أنه سينضم إلى حكومة ستأخذ منحى جديدا وتتوجه لصنع السلام الحقيقى، وبناءً على ذلك قاوم هرتزوج زملاءه الحزبيين الذين راحوا يحذرونه من مكر نتنياهو ورد عليهم هرتزوج بالقول إن هناك مؤشرات جادة لمشروع سلام قبله نتنياهو منها خطاب أسيوط. فى النهاية اكتشف هرتزوج أن نتنياهو يستخدمه للضغط على أعصاب ليبرمان المتطرف ليدفعه للانضمام للحكومة، وعندما ظهر اللين المطلوب على ليبرمان وأعلن نتنياهو أنه سيقابله ليضمه للحكومة وقف هرتزوج ليحذر نتنياهو علنا أنه لن يواصل التفاوض على دخول الحكومة بالتوازى مع مفاوضات ليبرمان ظنا منه أن نتنياهو سيفضله على ليبرمان ويستجيب للتحذير. أما نتنياهو فلم يعره أى التفات، فقد أدى الدور المطلوب منه فى إطار المرحلة ولم تعد له ضرورة مؤقتا، وبالتالى ترك هرتزوج يصرخ فى الهواء ويواجه اتهامات زملائه له بأنه تصرف مع نتنياهو بحسن نية تصرف الهواة المجردين من الخبرة وأنه بالتالى لا يصلح زعيما للحزب.