x

أسامة غريب «كلاى» وبلاده الحرة أسامة غريب الخميس 09-06-2016 22:05


استحق الملاكم الأسطورة محمد على كلاى عن جدارة لقب أعظم رياضى فى القرن العشرين، فالإنجازات التى حققها على الحلبة كانت غير مسبوقة. يكفى أنه خاض 61 نزالاً منذ أول مباراة لعبها بشكل احترافى عام 1960 حتى آخر مباراة لعبها ضد تريفور بيريك عام 1981، وقد انتصر فى 56 مباراة، منها 37 مباراة بالضربة القاضية، وانهزم فى خمس مباريات فقط، منها ثلاث هزائم فى مبارياته الأربع الأخيرة قبل أن يعتزل الملاكمة نهائياً. والحقيقة أن الهزيمة الأولى لحقت بمحمد على فى المباراة رقم 32 فى تاريخه، أى أنه فاز فى 31 مباراة متتالية ما بين أعوام 60 حتى هُزم على يد جو فرايزر عام 71 قبل أن يفوز على فرايزر فى لقاءين جديدين عامى 74 و75. معروف أن محمد على كان له موقف متميز من حرب فيتنام حين طُلب للتجنيد عام 66 فرفض أن يلتحق بجيش الولايات المتحدة قائلاً: «هذه الحرب ضد تعاليم القرآن، وأنا لن أحارب الفيتناميين الموجودين على بُعد عشرة آلاف كيلو من هنا.. لا أحد منهم لقّبنى بالزنجى».

دفع محمد على ثمن موقفه هذا فتم سحب لقب بطولة العالم منه عام 1967 ولم يعد إلى الملاكمة إلا عام 70. المتتبع لسيرة محمد على يمكنه أن يلحظ أن هذا الرجل تحدى المؤسسة الحاكمة فى بلاده وهى تخوض غمار حرب عدوانية فى جنوب شرق آسيا ضد شعب فيتنام، وهو موقف لو تعلمون عظيم، لكن ما ساعده على الصمود وعدم التراجع هو وقوف الأحرار فى أمريكا وأوروبا معه ودعمهم موقفه المعارض للحرب، ومن الممكن تصور ما كان يمكن أن يحدث لمحمد على لو أنه كان أحد أبناء العالم الثالث ورفض الالتحاق بجيش بلاده لأنه لا يؤمن بالحرب التى تخوضها.. لكم أن تتخيلوا مصيره لو أنه كان ينتمى إلى واحدة من الدول الشمولية التى لا ترى إلا ما يرى الحاكم!.. إن موقف محمد على من حرب فيتنام هو موقف شجاع حقاً، لكنه ما كان يقدر عليه لولا أنه كان يعيش فى بلد ديمقراطى يمكن للمرء فيه أن يجد ظهيراً شعبياً يشكل سياجاً حامياً للمعارضين وأصحاب الرؤى المختلفة عن رؤية المؤسسة الرسمية.. ومهما كان الموقف من السياسات الأمريكية التى اتسمت بالعدوانية ضد الكثير من الشعوب فلا يمكن إنكار أن أمريكا أمة عظيمة تحترم التنوع، وتحمل قيماً تُعلى من شأن الشجاعة والمواجهة، ولا تُنكر على الناس الحق فى الاختلاف، ولا يمكن إنكار أنها لم تصبح دولة عظمى إلا بسبب كونها معملاً للأفكار، وبوتقة لصهر الإبداعات البشرية، وموئلاً للتسامح الفكرى والعقيدى، ويكفى أن تغيير محمد على دينه واعتناقه الإسلام لم يلق استنكاراً من شخص واحد فى الولايات المتحدة، وتم التعامل معه كأمر عادى لا يستحق إشادة أو استنكاراً، ولم يمنع أبداً تكريم الرجل على مدى مراحل عمره واختياره كأعظم رياضى فى التاريخ.. وهنا أرجو أن تتخيلوا حالة رجل عربى قام بتغيير الدين الذى تعتنقه الأغلبية، ثم رفض غزو بلاده للكويت مثلاً.. لا أسألكم عن موقف السلطة منه، لكن عن موقف جيرانه وأصدقائه.. حاولوا أن تتخيلوا إن كنتم تستطيعون!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية