x

رجب جلال الإسلام القوى والأزهر الضعيف رجب جلال الخميس 09-06-2016 22:05


مجرد بيان استنكار، لا يسمن ولا يغنى من جوع، أصدره الأزهر تعليقاً على الجريمة الأكبر التى وقعت بقرية الكرم فى المنيا، استنكر فيه الأحداث، وحذر من الانسياق وراء الفتنة، ودعا جميع الأطراف إلى الحفاظ على النسيج الوطنى، دون أن يوضح لنا طبيعة فعل الاستنكار أو تأثيره على مجريات الأزمة، أو كيفية الانسياق الذى حذر منه، أو يعلمنا كيف نحافظ على الأستاذ النسيج.

هذا هو الأزهر الذى يحتكر بحكم الدستور والأمر الواقع وقرارات السلطة الحديث باسم الإسلام والدفاع عنه، ومنح صكوك الإيمان لمن يشهرون إسلامهم، لكنه بحكم المواقف لا يفيد الإسلام، ولا يدافع عنه، رغم أن الإسلام أكبر من أن يحتاج إلى دفاع أحد، والنبى الأكرم أغنى الناس عن «بودى جاردات باللسان» ذوداً عنه، لأن الله عز وجل أجل ذكره وأمده إلى يوم الساعة.

ربما لم يدرك الأزهر، بشيخه وشيوخه ومجلسه الأعلى، أن حادث الكرم ليس طائفياً بالمرة، ولن يكون حتى لو كان طرفاه مسلمين وأقباطا، فمجرد التعدى على سيدة عجوز هو كبيرة الكبائر فى الصعيد، فما بالنا إذا وصل الأمر إلى نزع ملابس أو تعرية، لا علاقة للدين بالأزمة من أى وجه، وحتى إذا كان الدين أحد أسبابها فترتيبه يأتى متأخراً للغاية بعد النخوة والشهامة و«العيبة»، التى يبدو أنه أصابها ما أصاب مصر كلها بعد نكسة يناير، ولذلك ما كان للأزهر التصدى للأمر حتى لا يبدو- وهو المؤسسة التى تمثل الإسلام- متهماً، وما كان له أن يوفد بالاشتراك مع وزارة الأوقاف قافلة دعوية مشتركة تضم أكثر من 40 واعظاً إلى القرية لنزع فتيل الأزمة، وكأنهم خبراء مفرقعات ذاهبون لإبطال مفعول عبوة ناسفة، دون أن يسألهم أحد أو يشرحوا لنا من تلقاء أنفسهم عن الكيفية التى سينزعون بها الفتيل وهم الذين ذهبوا صباحا وعادوا بعد المغرب، فهل دعوة الجميع إلى إعلاء قيم التسامح والرحمة ونبذ العنف والشقاق، والتأكيد على عدم وجود فتن طائفية، والتلاعب اللغوى المستفز بتوصيف ما حدث على أنه «خلافات تدب بين أبناء الأسرة الواحدة» هو الذى سينزع هذا الفتيل، فإذا كان الأمر بهذه السهولة، فأتمنى من الأزهر إرسال ألف قافلة من قوافله إلى كل أنحاء الجمهورية لإقناع الناس بأن ما تشهده مصر من فقر إنما هو زهد، وما تشهده قيمة الجنيه من انخفاض هو فى حقيقته تواضع من العملة الوطنية!!

المثير للغضب أن بيانات الأزهر تتوقف حدتها ولينها حسب الأحوال، أو قل حسب الشخص بطل الأزمة التى يصدر البيان بمناسبتها، ففى مارس الماضى مثلاً، وعندما اتهم وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند بالإساءة للرسول، جاء بيان الأزهر برداً وسلاماً ووديعاً لأن الزند كان وزيراً فى السلطة، ولم يخرج البيان عن مجرد «أهاب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بكل مَن يتصدَّى للحديث العام فى وسائل الإعلام أن يحذر من التعريض بمقام النبوة الكريم فى الأحاديث العامة»، فقط «أهاب» دون ذكر اسم الوزير، وباقى البيان خطبة عصماء عن «أن المسلم الحق هو الذى يمتلئ قلبه بحبِّ النبى الكريم وباحترامه وإجلاله، وهذا الحب يعصمه من الزلل فى جنابه».

لكن فى المقابل، وعندما اجتهد إسلام بحيرى وحاول المشاركة بجهد يسير فى تجديد الخطاب الدينى- أصاب أو أخطأ ليس الموضوع- كشر الأزهر عن أنيابه، ووصف اجتهادات بحيرى بأنها «هجمات شرسة ومضللة ضد ثوابت الدين والتراث الإسلامى وفقهاء الأمَّة»، ثم قدم الأزهر شكوى إلى المنطقة الحرة الإعلامية بالهيئة العامة للاستثمار ضد البرنامج مطالباً بوقفه «لما يمثله من خطورة فى تعمده تشكيك الناس فيما هو معلومُ من الدين بالضرورة، وتعمّقه فى منُاقضة السَّلام المجتمعى، ومُناهضة الأمن الفكرى والإنسانى، وإثارة الشبهات على غير أساس علمى، والخوض فى صحيح البخارى ومسلم»، رغم أن الكتابين أضعف من أن يمثلا الإسلام، ورغم أن إسلام أضعف من أن يضر الدين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية