لفت نظرى صراخ المذيع الداخلى بمجلس النواب فى جلسته الأولى فى 10 يناير الماضى، وهو يحرص على تقديم كل نائب لأداء اليمين مسبوقاً بكلمة «النائب المحترم»، وكأنه يتحدث عن مفاجأة أو حدث عارض، أو على طريقة «الجعان يحلم بسوق العيش»، وتحول الحلم بالفعل إلى كابوس مع أول تناحر بين السادة النواب المحترمين الموقرين الذين وصلوا فى تعبيرهم الراقى والموقر عن الرأى إلى حد استخدام الحذاء.
ينبغى لهذا البرلمان ألا يكتمل، لأنه ولد مشوهاً وبه عيب خلقى، ظهر بمجرد أن بدأ الحبو فى أول شهرين من عمره، وتنبئ تصرفاته بأنه سيصبح من ذوى الاحتياجات الخاصة عقلياً إذا شب هكذا دون علاج أو تدخل جراحى، وإذا فشل كلاهما، فلا مناص من القتل الرحيم.
المجلس انتهك الدستور الذى جاء به، والقوانين التى تحكمه، واللائحة التى تنظم عمله، بإسقاطه العضوية عن نائب، أى نائب مع استبعاد توفيق عكاشة من المعادلة، وبصرف النظر عن أدائه أو صلاحيته لعضوية المجلس التشريعى من عدمه، لأن المجلس الموقر أسقط العضوية هكذا فجأة استجابة لمجرد فكرة طرأت على خاطر الأعضاء أثناء الجلسة التى كانت مخصصة لاستكمال مناقشة «اللائحة الجملى» التى لم يكملها المجلس منذ شهرين، دون إحالة الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والدستورية، ومنها إلى الجلسة العامة أو لجنة القيم، اللتين لم يتشكلا أصلاً، وعندما أراد رئيسه الموقر أيضاً إقناع الأعضاء المعترضين بأن ما يفعله صحيح، أبلغهم بأن المجلس «سيد قراره»، رغم أن الدستور أسقط هذه القاعدة، ورغم أن القاعدة لا تتعلق بإسقاط العضوية من الأساس، وإنما بتنفيذ حكم محكمة النقض ببطلان صحة عضوية، واستمر فى غيّه بأن ساق لهم واقعة كل ما فيها خطأ، وتتعلق بإسقاط عضوية النائب السكندرى شريف عاشور، الذى هتف تحت القبة عام 1987 «يسقط أنور السادات»، بأن قال إن الذى أسقط العضوية هو الدكتور رفعت المحجوب، رئيس المجلس الراحل، بينما الصحيح أنه الدكتور سيد مرعى، لأن الأول عين بالمجلس عام 1984، كما أن مرعى أحال عاشور إلى لجنة الشؤون التشريعية والدستورية أولاً، ولم يشكل لجنة خاصة كما فعل الدكتور على عبدالعال (أستاذ قانون دستورى بالمناسبة)، لأن اللائحة تحظر تشكيل اللجان الخاصة فى إسقاط العضوية، واجتمعت اللجنة التشريعية فى اليوم التالى وأعدت تقريراً عن الواقعة عرضته على الجلسة العامة فى اليوم الثالث، وليس هكذا وإحنا قاعدين «ياللا نسقط عضوية عكاشة» وكأننا نفكر فى طلب طعام «ديليفرى»، ويمكن لـ«عبدالعال» العودة لمضابط برلمانه للتأكد مما أقول، وتكليف أى حنجورى بضربى بالحذاء إذا كنت مخطئاً.
أما طريقة تعاطى البرلمان مع برنامج الحكومة، فتدعو للضحك، فالهيئات البرلمانية تعاملت معه بأساليب من عينة «وحش بس موافقين عليه»، و«يجب أن نساعد الحكومة فى أزمتها»، و«عايزين نمشى المركب»، وهى أساليب تناسب تجاراً فى سوق، لا مشرعين مراقبين فى برلمان يجب أن يكون موقفه واضحاً من بيان الحكومة، لأن المجاملات والمواءمات السياسية تجعل الحكومة تستمر فى غيّها وكسلها وفشلها وعجزها عن حل أى أزمة مهما صغرت من الطائرة الروسية إلى الشاب الإيطالى، ولن تعمل وتتحرك إلا إذا علمت أن وراءها رقيباً بالمرصاد، لكن «طبطبة» الهيئات البرلمانية الموقرة لن تحل أزمة مواطن.
أما ثالثة الأثافى، فهى تهديد السيد الموقر رئيس المجلس بالتصويت على إعطاء الثقة للحكومة دون مناقشات، فأى دستور أو قانون يطبقه الأستاذ عبدالعال، أم أن له تشريعاً خاصاً يتيح له التصويت دون مناقشة؟، وأى سلوك هذا الذى يأتيه «السادة النواب المستهترون بمصالح الدولة العليا»- حسب تعبير عبدالعال- فكيف يغيب أو يتأخر الأعضاء عن جلسة مناقشة بيان الحكومة، فما الذى يشغل «البهوات» عن أداء دورهم النيابى؟!، لا أجد سوى حل المجلس إجابة نموذجية.