أول مرة أتعرف فيها على مصطلح لابسين مزيكا كان من أستاذى الكبير الراحل على سالم، رحمه الله. حكى لى القصة التالية، يمتد شارع محمد على من ميدان العتبة إلى القلعة. كانت أهم ملامح هذا الشارع أنه شارع الفن والفنانين، كان يعيش فيه الموسيقيون والمطربون والراقصات، والآلاتية. فى ذلك الوقت البعيد، كانت الناس تستعين بفرق الموسيقى النحاسية فى الأفراح والجنازات. بالإضافة إلى عدد من المناسبات. كانت هذه الفرق مشهورة باسم فرقة «حسب الله». وجسد عبدالسلام النابلسى دور «حسب الله» فى فيلم شارع الحب بطولة عبدالحليم حافظ وصباح.
كانت هذه الفرق تتكون من عازفين ممتازين، ولم يعرفوا ما يسمى فترات الكساد، فالناس لا تكف عن الفرحة والحزن. على العكس من ذلك، كان يحدث فى أوقات كثيرة أن يزداد عليهم الطلب، فيعجزون عن توفير العدد الكافى من العازفين. ولما كان الإنسان تحت ضغط الحاجة يلجأ للاختراع أو الاحتيال. لذلك اخترع أصحاب هذه الفرق أسلوبا جديدا فى العمل. ليس مهما أن تتكون هذه الفرقة من عازفين جيدين أو متوسطى القيمة، الأكثر أهمية أن يكون عددها مقنعا، وأداؤها ظاهريا مقنعا. يكفى أربعة عازفين فقط. أما الباقون فسيرتدون ثياب العازفين الكاكى المزركشة ويمسكون بالآلات النحاسية. وينفخون فيها وهم يحركون أصابعهم على مفاتيحها ويتمايلون بأجسامهم فى انسجام، وهم يمشون على الإيقاع.
هكذا ظهرت إلى الوجود مهنة جديدة، هى الادعاء بأنك تعزف، بينما فى حقيقة الأمر أنك تنفخ، وكان يسمونها لابس مزيكا. وكان هؤلاء النافخون يجلسون على مقاهى شارع محمد على. كان سماسرة تلك الفرق يمرون على هذه المقاهى فى حالات الزنقة. ويوجهون سؤالا واحدا لأى شخص. يتوسمون فيه الميل إلى النفخ: تلبس مزيكا.
القصة السابقة كلها، التى حكاها الأستاذ فى صيف 2013. نشرها فيما بعد يوم 20 ديسمبر من نفس العام، فى جريدة الشرق الأوسط اللندنية. فقد كنت سعيد الحظ. لأننى أقرأ مقالاته قبل نشرها. لم أكن وحدى فى ذلك، بل كان هناك عدد محدود من أصدقائه يخصهم بذلك. وعلى رأسهم المثقف الكبير والفنان التشكيلى الأستاذ وجيه وهبة.
تذكرتها أمس الأول وأنا أقرأ مقالاً فى أحد المواقع الإلكترونية. يتحدث عن الثورة والثوار. وعن بطولات وشجاعة بعض الناس، الذين لمعت أسماؤهم فى هذه الأحداث. كما أن الكاتب فى مقاله حاول أن يضع تحليلا لأفكار ومبادئ ثورة يناير وما تلاها. رفعت سماعة التليفون كى أسأله سؤالا واحدا محددا. إنتوا لابسين ثورة؟ الفرقة انسحبت خلاص. ولقد حصلتم على أجوركم كاملة، خدعتم أنفسكم عندما اعتقدتم أنكم الفرقة، ومن ثم قررتم الاستمرار فى العزف. (تيت تيت تيت- لم يجيب على الهاتف).
توضيح:
جاء فى الحوار الذى نشرته، أمس الأول، مع الدكتور أشرف أبوالخير المستشار القانونى لوزير الصناعة والتجارة الأسبق، رشيد محمد رشيد، التباس فى الصياغة نتج عنه سوء فهم، ونؤكد أن المهندس رشيد لم يكن له علاقة تنفيذية بشركة «هرميس».