x

وليد علاء الدين وانتَ مال أمك! وليد علاء الدين الثلاثاء 07-06-2016 22:11


«وأنت مال أمك»، بالضبط كما قرأتم. هذه العبارة كانت تعليقَ القارئ المحترم صلاح الدين عبدالعزيز من المنصورة، على واحدة من مقالاتي من خلال موقع التواصل الاجتماعي الخاص بالصحيفة. الغريب في الأمر أن صفحة هذا القارئ المحترم على الفيس بوك مكتظة بمقتطفات لحكم ومواعظ تحض على أهمية السلوك الطيب والمعاملة الحسنة.

ربما رأى القارئ المحترم أن عبارته مجرد سؤال استنكاري «مش شتيمة يعني»– على اعتبار أن استخدام الأم هنا جاء من باب البلاغة أو المبالغة- لأنه يرى أنني تناولت في مقالتي شيئًا لا علاقة لي به مثلًا أو تدخلت في خصوصيات تستدعي منه أن ينبهني، ولكنني في الحقيقة لم أتدخل في شأن خاص لا علاقة لي -أو لأمي- به، بل كنت أعبر عن رأيي كمواطن مصري أولًا، وكصحفي ثانيًا، في طبيعة الحوار الذي أداره إعلامي مصري في قناة مصرية مع الرئيس المصري. وأظن أنني وأمي وأبي رحمه الله وكل المصريين أصحاب شأن اصيل في هذا الحوار وتقييمه والتعليق عليه.

ربما اعتقدَ القارئ المحترم أنه بعبارته البلغية هذه يُناصر أحد طرفي الحوار الذي يتناوله المقال بالتحليل! فلو كان من أنصار الرئيس السيسي فقد ظن أنني أتهجم على الرئيس، والصحيح أنني لم أتهجم، حتي إنني لم أنتقد خطابه، بل قلت إنه كان ذكيًا إذ استغل بمهارة «تقاعس» أسامة كمال عن كثير من تفاصيل دوره كمُحاور. ومن يجد فرصة كهذه ولا ينتهزها! بل أظنني أطريت السيد الرئيس عندما قلت إن ردوده كانت منطقية إلى حد كبير، وكانت جديرة بأن تأتي في حوار «مشاكس» المحاور فيه حريص على اختبار الأفكار المطروحة وفحصها ليُرضي المتابع المعارض قبل المتابع المؤيد.

أما لو كان القارئ المحترم أحد المعجبين بالزميل أسامة كمال، فظن أنني بذلك أهنته، فكنت أتمنى أن يقرأ بهدوء لينتبه إلى أنني قدّمت لأسامة كمال خلال المقالة الكثير من الأعذار والاحتمالات التي قد تكون سببًا في ظهوره بهذا الشكل الفاتر، من ضمنها المونتاج أو هيبة الموقف أو تغليبه الشخصي لحبه الكبير لضيفه على قواعد المهنة وغيرها من أسباب تعني ضمنيًا اعترافي بأنه صحافي جيد ومحاور محنك، وإلا ما استغربت منه هذا الأداء!

يبقى احتمالٌ وحيد قد يكون دفع القارئ المحترم إلى كتابة هذا التعليق الذي ينم عن ثقافته العالية، وهو أن السيد الفاضل لم يقرأ من الأساس واكتفى بالعنوان والمقتطف القصير الذي تُقدّم به الصحيفة رابطَ المقال لتغري القراء بالضغط عليه ومتابعة القراءة، ربما قرر القارئ الحصيف أن لا ينساق وراء إغراءات الصحيفة، أو أن وقته لم يكن يسمح سوى بأحد أمرين: أن يقرأ أو أن يترك تعليقًا؛ فاكتفى بالأسهل وترك تلك العبارة البليغة.

عبارة القارئ المحترم ليست العبارة الوحيدة المثيرة للتأمل، ولكنني اخترتها، لجزالة تعبيرها وقدرتها على الاختزال باحترام نسبة إلى تعليقات أخرى كثيرة لا يتورع أصحابها أو لا يعرفون سوى الألفاظ الخادشة للحياء، مهنيًا، لم تعد تغضبني تلك العبارات وأعدها مواد أولية لقراءة تحليلية مطلوبة وضرورية لملامح النموذج الثقافي الحاكم لهذه العينة من المصريين.

في المقابل تعليقات أخرى كثيرة أيضًا نجح أصحابها في التقاط الفكرة والتواصل معها بشكل إيجابي، منهم المؤيد ومنهم المعارض، الشىء المشترك بينهم هو شعور بـ«خيبة الأمل» في مستوى الحوار.

مؤيدو السيد الرئيس تمنوا لو أن تصريحاته هذه جاءت ضمن حوار ساخن أمام محاور عنيد فيكون انتصارًا مستحقًا «يكيد العدا».

معارضو السيد الرئيس تمنوا لو اختبر المحاور– نيابة عنهم- تلك الإجابات المنطقية المنمقة.

أما المحايدون الذي لا يعميهم لا التأييد ولا المعارضة عن المصلحة العامة فتمنوا لو أن المحاور أدى دوره المهني ولم يُغفل أبرز القضايا التي كانوا ينتظرون عرضها على رئيس مصر ليستمعوا منه مباشرة إلى ما يدحض الإشاعات الكثيرة التي تتناقلها الألسن.

بعض التعليقات رأت في نشر المقالة نفسه دليلًا على ما تنعم به الصحافة المصرية من حرية رأي، في حين عَلَّق آخرون على تعليقاتهم بأن الحرية كان من الواجب أن تبدأ من حوار السيد الرئيس.

تعليقات أخرى اتهمت من يحاولون تحليل الحوار من أمثالي- والعياذ بالله- بالحقد والغيرة من الزميل أسامة كمال، وفي الحقيقة أرى أنه كان في موقف لا يُحسد عليه إطلاقًا، تقلصت فيه مهاراته وقدراته التي نعرفها ورأيناها في مواقف أخرى، وهو التراجع الذي لم تُغفله تعليقات مؤيديه الذين برروا له «ارتباكه» وأنه كان «على غير طبيعته» مرة بالتأدب ومرة بالحكمة ومرة بهيبة الرئيس السيسي.

أحدهم وهو القارئ أسامة ناجح من سوهاج كتب لي: «لو كنت مكانه مكنتش أصلًا تصدق نفسك إنك أمام فخامة رئيس جمهورية مصر العربية وكنت هتدور على أقرب دورة مياه ولكن للأسف مكنتش هتلحق وكنت هتعملها على نفسك» وغير ذلك من ملاحظات امتاز بعضها بخفة ظل مصرية صميمة، ومع تنوعها وتعاطفها مع الزميل أسامة كمال إلا أنها في مجملها تؤكد أن الرجل لم يكن على طبيعته التي اعتدناها، وبالطبع له العذر في ذلك، إنسانيًا، وليس مهنيًا.

من ضمن الردود المنصفة، التي لم تأخذ موقًفا حادًا تجاه أي من الأطراف ردُّ القارئ محمد جدجد الذي كتب: «فعلا أسامة كمال كان غير مقنع، واضح إنه سنيد رغم اقتناعي بأن البلد هاتبقي أحسن، بس الإعلام ما زال مصدر غير موثوق به».

لقد لمس الرجل جوهر الفكرة التي تقول ببساطة إن على رئيس جمهورية مصر العربية أن يعرف أن مثل هذه الحوارات ربما كانت صالحة حتى نهاية ثمانينات القرن العشرين، لكنها الآن لا تصلح لإقناع الناس، وأن حوارًا تُكافح فيه لإيضاح وجهة نظرك مع إعلامي مشاغب ودقيق أفضل بكثير من حوار يلعب فيه المُحاور دور «السنَّيد» كما وصفه القارئ الكريم، أو «حوار هندي» كما وصفه قارئ آخر، أو حوار «صدى الصوت«كما وصفتُه في المقال الذي أثار ضيق البعض، لكنه كشف لي كيف أننا لم نعد نسمح حتى بتحليل مواقفنا بهدف الوصول إلى الأفضل.

ورمضان كريم.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية