هل يمكن لشريط أخضر حول المعصم أن يصنع ثورة سلمية لشعب ضاق بسوء الأحوال المعيشية؟
هل يمكن لأصحاب الشارات الخضر، ملح الأرض، أن يتشاركوا الهم والأمل، ويساند بعضهم بعضا، وتتزايد أعدادهم يوما بعد يوم حتى تتحول شارتهم السلمية الخضراء إلى ضوء أحمر يوقظ عقول الناس وينبه أخوة الإنسانية للثورة ضد الظلم والفساد؟
الأسئلة لاتعبر عن مجرد أمنية في الرأس، لكنها واقع بدأ بفكرة في رأس مدرس ثانوي سوداني اسمه «أبوبكر ضياء الدين»، عندما كان يسير ذات ليلة أمام أحد المستشفيات في أم درمان، فشاهد سيدة مريضة، يسندها ولداها، بينما تتحرك بصعوبة، كانت السيدة تعاني، والولدان في حالة عجز مفلسين، ليس معهم سيارة أو كرسي متحرك، أو مقدرة على حمل الأم فالطريق طويل إلى البيت.
شعر أبوبكر في هذه اللحظة بافتقاد الإنسان السودانى للحياة الحرة الكريمة ولأبسط حقوقه الآدمية، وفى اليوم التالى بدأ يكتب على مواقع التواصل الاجتماعى عن فكرة الشريط الأخضر، كل صاحب معاناة يربط شريط أخضر حول معصمه (مثل ساعة اليد)، هدفه من تعميم فكرته نشر مشاعر المشاركة والمساندة المجتمعية فغالبية الشعب السودانى يعانى على حد قوله، هذه المشاركة الشكلية سينتج عنها تواصل وتفاعل ويتكون على أثرهاعقل جمعى واعى بمعاناته وليس مجرد كتلة تحركها عواطف.
أعجبتنى فكرة ضياء الدين، خاصة أنها تناسب عاطفة الرحمة التي تزداد في قلوبنا ونفوسنا خلال شهر رمضان، شهر البر والإحسان لكل من يعانى، فلقد سنه الله تعالى ليشعر المسلم بالجوع والحرمان، لعل ذلك يرقق قلبه على أخيه المحتاج حين يذوق جوعه ويشعر بأثر حرمانه.
في الشهر الكريم يسارع المسلمون في الخير، يقدمون يد المساعدة للفقراء والمرضى والمحتاجين، قبل الآذان بقليل تجد على الطرقات من يمد يده بكوب عصير أو زجاجة ماء وبضع تمرات لراكبى السيارات أو الراجلين، أحيانا أتساءل هل هذه المشاعر حقيقية؟ أم أنها تحولت إلى طقس رمضانى يختفى بانتهائه، فنواصل الشهور الباقية من العام دون رغبة في مساعدة المحتاجين، ولانتكاتف مع احتياج الضعفاء الذين يعانون بيننا، ونعود إلى حلبات التسابق في منافسات محمومة للتفوق على غيرنا، نسعى بكل قوتنا للتملك ولمزيد من التملك، لانفكر في توزيع جزءا مما نمتلكه على المعدمين، فيزداد أغنياء المسلمين غنى ويزداد فقراؤهم فقراً.
ماذا لو طبقنا فكرة الشريط الأخضر.. «ساعة الاستغائة»؟
ماذا لو انتبهنا لمعاناة الناس طوال العام، وليس فقط في شهر رمضان؟
ماذا لو أعطينا القليل من وقتنا للتواصل مع المرضى والضعفاء والمحتاجين، ومن أموالنا للمشاركة في رفع المعاناة النفسية والمادية عنهم؟
الشريط الأخضر وسيلة إنسانية للتعاطف البشري، مثل وسائل كثيرة تطبقها دول أجنبية لا تهتم كثيرا بالدين، كما أنه وسيلة دينية لتحقيق وصايا الإسلام والمسيحية والأديان كافة بالتكافل، والاحساس بأخيك الإنسان.. قال الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به. مع تعقيدات الحياة لم يعد الناس في تواصل مثلما كانوا قبل ذلك فلا يعرف الساكن جيرانه، لا يسأل عنهم ولا يعرفون عنه شيئا، ربما تكون هذه الإشارة وسيلة تنبيه بين الأقارب والأصدقاء والجيران والمعارف وزملاء العمل، فنسعى في الخير طوال العام وليس في شهر رمضان فقط.
الشريط الأخضر يمكن أن يتحول أيضا إلى مؤشر سياسي تتعرف من خلاله الحكومات ومؤسسات الدولة على مستوى معاناة الناس، لأن معظم المعاناة لها بالطبع أسباب سياسية، أقلها عدم توافر خدمات حكومية لائقة خاصة في العلاج والغذاء والسكن، بسبب البطالة أو ارتفاع الأسعار... الخ.
الشريط الأخضر يمكن أن يمثل طوق نجاة، للضعفاء والمتعبين والمظلومين.
فهل تنجح الفكرة فنراه في الشارع كاشفاً لمستوى حالنا؟ أم يرفضها الجميع خشية تنفيذها فنرى 91 مليون مصري يربطونه حول معصمهم؟