اسمحوا لى ببعض المشاغبة الرقيقة ،التى يسمح بها الرئيس ولاتضعنى تحت طائلة القانون، قبل حلول شهر رمضان الكريم، أعاده الله علينا جميعا بالخير والبركات.
شاهدت بالأمس( الجمعة ) حوار الرئيس مع أسامة كمال والذى كنت أتوقع أن يجيب عن تساؤلات كثيرة تدور فى الشارع المصرى وفى ذهنى ، ولكن للأسف جاء الحديث مخيبا لآمالى ،بكل صراحة لم أشاهد من قبل حوارمع رئيس جمهورية بهذا الفتور، فهو لم يأتى بأى جديد، لم يزيد عن تجميع لتصريحات وآراء سابقة للرئيس وعرضها بأسلوب سؤال وجواب ربما بغرض تأكيدها فى ذهن المشاهد.
بعد انتهاء الحوار، تذكرت مقولة للسيسى :" عبد الناصر كان محظوظ بإعلامه ، كان يبتكلم وإعلامه وراه" . والحقيقة عنده حق ولو جزئيا ، فنحن نعيش زمن الكبوة الإعلامية ، فى حين كان زمن عبد الناصر عصر مجد الإعلام المصرى صاحب الريادة والإشادة المسموع والمؤثر من المحيط للخليج.
المتابع للسيسى منذ أن كان وزيرا للدفاع ثم مشيرا فمرشح رئاسى فرئيس جمهورية يدرك أنه مهتم جدا بالإعلام ، مدرك للدور الذى يمكن أن يلعبه فى تشكيل الوعي العام للمصريين وإعادة الاصطفاف الوطنى لو أحسن الأداء، على حد تصور الرئيس السيسى .
عام 2014 كان "عام العسل" بين السيسى والإعلام لكنه أنتهى بعد العام الأول من رئاسته ، وبدأ الرئيس يعتب ويشكو وينتقد الإعلام.
أثناء القاء السيسى كلمة بمناسبة فاعليات أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس ، فى سبتمبر 2015، قال موجها حديثه للإعلاميين :«مافيش فايدة فيكوا»!!!كانت دعابة لاذعة تحمل الكثير من الرسائل الضمنية،الرئيس لم يعد راضيا عن جنوده فى الإعلام. بعد شهرين وتحديدا في نوفمبر، وخلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة اقيمت بمسرح الجلاء ،عاتب الرئيس الإعلامى خالد أبو بكر الذى قال فى برنامجه إن الرئيس يجلس مع شركة سيمنز وسايب الإسكندرية تغرق، وأعقب ذلك بجملته الشهيرة :مايصحش كده.. انتوا بتعذبوني اني جيت وقفت هنا..انا هاشتكي للشعب المصري منكم".
السيسى أكثرنا تأثرا بالإعلام وانزعاجا مما يقال فيه ويمكن أن يطول صورته ، ومداخلاته التليفونية مع عمرو أديب وأسامة كمال أبلغ دليل على ذلك.
الحديث عن إعلام غير منحازمثل الحديث عن طائر العنقاء الخرافى، محض خيال ، يمكننا استبدال عدم الإنحياز بالمهنية وعرض وجهات النظر المختلفة فى محاولة لاظهار الحياد.
لكن السيسى لا يسعى للمهنية والحياد ـ لكن يرغب فى أن ينحازالإعلام للدولة وهو من يمثلها الآن.
المشكلة الحقيقية التي لاينتبه إليها الرئيس، ان العيب ليس في الإعلام الذي اعتقد ان معظمه أفراده يساندونه في جميع قراراته وينحازون له لكنه لايسنطيعوا اقناع الشارع ،لأن العيب عند الرئيس الذي لم يقدم للرأى العام حتى هذه اللحظة مشروع سياسى واضح المعالم . كما كان الحال مع عبد الناصر المحظوظ بإعلامه، رغم تحفظاتى على المشروع الناصرى ، فجمال كان لديه مشروع سياسى ثورى محدد المعالم ، فهو رافض للتبعية والاستعمار،ينادى بالاستقلال ويساعد على التحرر الوطنى ذلك على مستوى السياسة الخارجية ، وفى الداخل كان منحازا للفقراء مشجعا للعمل والعلم، مطبقا للنظام الاشتراكى فى الاقتصاد وتوسيع ملكية الدولة للقطاع العام أما السيسى الذى رضينا به رئيسا دون برنامج فهو بعد عامين دون مشروع سياسى واضح يمكن تسويقه.
مشروع السد العالى الذى أستشهد به السيسى أكثر من مرة كمثال عن الإعلام والفن الذى يساند زعيم ، كان له وضع خاص ، فهولم يكن مشروعا عملاقا وفقط مثل مصنع الحديد والصلب والمصانع الحربية والنصر للسيارات ومديرية التحرير ومصانع الغزل النسيج والاسكان الشعبى للعمال وغيرهم من مشاريع أسسها جمال وكانت غير مسبوقة، ولكنه كان مشروع قومى يمثل السيادة المصرية والاستقلال الوطنى ،ومن كان يكتبون عن إنجازات الثورة وناصرويتغنون بهما، كانوا مناصرين للمشروع الناصرى مؤمنين به ،وليسوا مرتزقة محترفين يبيعون كلماتهم لمن يدفع أكثر مثلما يحدث الآن، كما أن عبد الناصر استطاع أن يختار مجموعة متميزة لإعادة تشكيل الوعى المصرى بعد الثورة بالقوى الناعمة من أمثال : ثروت عكاشة ، عبد القادر حاتم وهيكل وغيرهم ،حتى الآن نحن لانعرف من الذى يثق فيه السيسى ويستشيره قبل ظهوره إعلاميا ولامن يكتب له خطبه ولا من يتابع ارتجاله ويستطيع أن ينصحه بالتوقف عن ذلك دون أن يتم اقصائه أو التنكيل به، وهل الدائرة الصغيرة حول الرئيس بها شخصيات تتمتع بالقيمة والقامة أم لا؟.
وبالإضافة إلى وجود مشروع سياسى واضح لعبد الناصر ورجال ذوى العلم والخبرة والثقافة الواسعة يحيطون به ، يأتى عنصر هام آخر وهو عصر عبد الناصر وزمنه، كان يمكن بسهولة التحكم فيما يقدم للشعب بالسماح والحظر، أما الآن وفى عصر السماوات المفتوحة وثورة الاتصالات وتضخم سطوة مواقع التواصل الاجتماعى ، فمن العبث الحديث عن المنع من المنبع، ولكن يمكن الحديث عن التوجيه فى الاختيار بأساليب تتناسب مع ثقافة العصر وبالقوة الناعمة وليس بالعصا الغليظة ولا بأحكام القضاء .
كتبت كثيرا عن الإعلام ودوره وخاطبت الرئيس بذلك فى 4 مقالات يمكن العودة إليها :
http://www.almasryalyoum.com/news/details/533334،
http://www.almasryalyoum.com/news/details/534983
http://www.almasryalyoum.com/news/details/536066
http://www.almasryalyoum.com/news/details/811227
http://www.almasryalyoum.com/news/details/943235
http://www.almasryalyoum.com/news/details/943840
http://www.almasryalyoum.com/news/details/944515
كلنا نحصد ما زرعناه ... اللهم بلغت ...اللهم فأشهد...
وكل عام ومصر بخير ...
[email protected]