x

محمد السيد صالح عندما اختلطت السياسة بالرياضة.. ظهر الأهلى والزمالك (الحلقة الثالثة) محمد السيد صالح الثلاثاء 07-06-2016 22:15


بالتوازن مع التطورات السياسية فى «القطر المصرى»، مطلع القرن العشرين، عرفت الرياضة الحديثة طريقها إلى القاهرة.

صحيح أن الفراعنة مارسوا الرياضة ولعبوا أحد أشكال كرة القدم، كما يقول الدكتور زاهى حواس، وأن الباحثين الأثريين عثروا على العديد من الكرات فى مواقع التنقيب محشوة بالألياف من النخيل والبردى أو القش ومغطاة بجلد مربوط بالخيط أو القماش.

لكن الثابت رغمًا عن ذلك أن القاهرة عرفت أشكال الرياضة الحديثة مع انفتاحها على العالم، والحقيقة أيضًا أن مصر من أوائل الدول التى انضمت إلى اللجنة الأوليمبية الدولية.. بل إنها سبقت دولا أوروبية عديدة فى ذلك، ويعتبر أحمد حسنين باشا عنوانًا رئيسيًا فى هذا المجال، بل هو الرائد الأول، وأول مصرى يرفع علم مصر فى المحافل الأوليمبية.

وقبل أن أخوص فى هذه النقطة التى حققتها طويلا، فإننى أشير إلى قلة المراجع المتخصصة فى مجال تاريخ الرياضة المصرية.

لا يوجد أرشيف حقيقى لهذا التاريخ الناصع والشعبى، ولكى أوثق التاريخ الرياضى لأحمد حسنين باشا لجأت إلى اتحاد السلاح المصرى وإلى رئيسه حازم زيد، ثم فتشت فى الأرشيف المتخصص فى عدد من الصحف والمجلات. وكذلك لجأت إلى عدد من المؤرخين الرياضيين، وأبرزهم الأستاذ عبدالرحمن فهمى.

والمهم فى هذه النقطة الشيقة أن الرياضة كانت منغمسة فى السياسة إلى حد كبير، وأكثر بكثير مما هى عليه الآن.

فقد كانت فى صدر القرن العشرين عنوانًا للتحرر فى كثير من الأحيان، مثلما كانت فى صور عديدة أخرى عنوانًا للتقليد الأوروبى لمجاراة المستعمر الإنجليزى بالتحديد إلى حد كبير.

فقد عرف المصريون الأندية من خلال الأجانب فى القاهرة والإسكندرية وعدد من عواصم المحافظات الأخرى، وخاصة فى القناة، فى السنوات الأولى للقرن العشرين، ورغم الظروف التى كانت تمر بها مصر آنذاك بدأت فكرة إنشاء نوادى للمصريين، مناظرة لنوادى الأجانب.

تأسس نادى الجزيرة فى القاهرة فى عام 1882، وسبورتنج فى الإسكندرية عام 1889، ويعد نادى السكة الحديد أقدم الأندية المصرية لكرة القدم، حيث تم تأسيسه عام 1903، ومن بعده النادى الأوليمبى عام 1905، أما ثالث الأندية المصرية، من حيث التأسيس، فهو النادى الأهلى الذى يعد أكبر الأندية المصرية وأكثرها شعبية على الإطلاق.

وهو النادى الذى سنتوقف عنده بعد قليل، حيث إن أحمد حسنين باشا تولى رئاسته، وحقق بطولات مهمة فى عهده ولكن قبل الوصول إلى هذه النقطة أركز على الرياضة الأهم فى تاريخ أحمد حسنين، وهى رياضة الشيش والتى من خلالها سجل أول مشاركة لرياضى مصرى فى الدورات الأوليمبية الحديثة.

ما يؤرخ لمثل هذا الحدث الأهم محدود للغاية، كما أشرت، وغالب الموجود فى مقر اتحاد السلاح بمنطقة القبة صور، معظمها متداول لأحمد حسنين باشا، وهو يلعب السلاح أو يتدرب، فى حضور الملك فاروق.

ولكن هذا التاريخ الرياضى موثق بشكل أكثر فى مقال متخصص للناقد الرياضى على خضير فى عدد يوليو 2012 من المجلة الفصلية «ذاكرة مصر المعاصرة التى تصدر عن مكتبة الإسكندرية».

ووفقًا للمنشور، فإن مشاركة أحمد حسنين باشا فى الدورة الأوليمبية باستوكهولم 1912، جاءت تأكيدًا وتدعيمًا بتواجد اللجنة الأوليمبية المصرية فى سجلات اللجنة الأوليمبية الدولية، حيث إن القائمين على الرياضة المصرية حينذاك بذلوا جهودًا جبارة للانضمام، تحت لواء تلك المنظمة عام 1910، وكان ترتيب مصر رقم 14 فى تاريخ انضمام الدول للجنة الدولية، ضمنهم تسع مؤسسين سنة 1895،

وكانت مصر إحدى دول العالم الرياضى المتقدم، لأن خمسة عشر عامًا فقط هى فارق التوقيت، منذ تأسيس اللجنة وانضمام مصر لها حينذاك لا تعتبر بالمدة الطويلة، وإنما تحمل مؤشرات ازدياد الوعى الرياضى فى مصر وانتشار ومسايرة الدول الأوروبية العظمى فى هذا الوعى.

ويرصد التقرير مشاركة العداء أنجلو بولاناكى فى منافسات ودية دولية فى ألعاب القوس باليونان موطنه الأصلى وفرنسا، إضافة إلى تقدمه على كل عدائى مصر بالإسكندرية.

كل ذلك حدث خلال عامى 1902، 1903، لكنها مشاركات ظلت رمزية ودون تقييد دولى حتى تصبح مصر عضوًا دوليًا، وقد تم ذلك عام 1910، ومن بعدها أصبحت المشاركة المصرية رسمية وبأرقام ونتائج.. وكان الموعد فى الأوليمبياد الخامسة استوكهولم بالسويد.

وشارك أحمد حسنين، أيضًا فى أوليمبياد أنفرس 1920، وباريس 1928، وكان بذلك أول مصرى يشارك فى ثلاث دورات أوليمبية متتالية، ولولا قيام اللجنة الأوليمبية الدولية بإلغاء الأوليمبياد السادسة التى كان مزمعًا إقامتها عام 1916، بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى لكان أحمد حسنين قد شارك فيها، وقد امتدت مشاركته الأوليمبية لأربع دورات.

وهو بذلك صاحب الأخلاق الأولى للرياضة المصرية والعربية- بل الشرقية- فى ساحة الألعاب الأوليمبية على الإطلاق.

ورغم الأجواء السلبية للحرب العالمية الأولى على المستويين الاقتصادى والسياسى، إضافة إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا فى مصر، فإن الحركة الرياضية شهدت فى أعقابها انتشارًا قويًا من أقصى البلاد إلى أدناها، خاصة بعد اهتمام الصحافة بهذا النشاط وانتشاره فى المدارس والجامعات، وتأسيس العديد من الأندية الرياضية وإنشاء الاتحادات الرياضية.

وبرز عدد كبير من الأبطال المميزين فى ألعاب المصارعة ورفع الأثقال والملاكمة والدراجات والبلياردو والسلاح، وبالطبع فقد انتشرت كرة القدم فى اتحاد مصر.

وما بين أوليمبياد استوكهولم وأوليمبياد أنفرس (شمال بلجيكا) تغيرت الصورة تمامًا، فقد شاركت مصر ببعثة ضخمة كان على رأسها لاعب ونجم ورئيس البعثة فى آن واحد أحمد حسنين، والذى شارك فى مسابقة سيف المبارزة فقط، وصعد للدور الثانى بعد تأهل موفق من الدور الأول، كما شارك أحمد حسنين فى أوليمبياد باريس، لكن رئيس البعثة فى هذه المرة كان النبيل عباس حليم.

ومن الدورات الأوليمبية كان الأهلى النادى الأكثر جماهيرية والمرتبط بالاستقلال الوطنى قياسًا بـ«المختلط» الزمالك الآن والذى ارتبطت نشأته بالأجانب قبل أن يتحول إلى ناد مصرى، بل منافس الأهلى فى شعبيته ومصريته أيضًا. تولى رئاسة النادى الأهلى عام 1944، وحقق النادى خلال رئاسته بطولة الكأس ثلاث مرات.

واللافت أن «الأهلى» ورغمًا عن أن النادى هو الأشهر، وارتبط اسمه منذ افتتاحه بأنه رمز للوطنية والاستقلال، فإن قياداته فى فترة ما قبل الثورة كانوا فى الغالب: الأمراء أو كبار الأعيان أو المقربين من القصر. هو اعتمد فقط خطأ متنقلا عن الأجانب والإنجليز بالتحديد.

وللعلم، فإن نادى الزمالك، هو الآخر، وبعد سنوات معدودة من تأسيسه على يد البلجيكى جورج مرزباخ فى 1911، التصق إلى حد كبير بعد ذلك بسنوات معدودة بكبار رجال الدولة المحسوبين على القصر، وضمنهم محمد حيدر باشا، وهو أطول من تولى رئاسة نادى الزمالك- 30 عاما تقريبًا.. وللعلم فهو وزير الحربية فى عهد الملك فاروق، وفى نفس التوقيت تقريبًا، كان أحمد باشا حسنين رئيسا للديوان الملكى، ويترأس النادى الأهلى.. أى أن رجال الملك أداروا الأهلى والزمالك فى نفس الفترة السابقة لثورة يوليو.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية