فى حديث الرئيس مع الأستاذ أسامة كمال أشياء إيجابية كثيرة، لابد أن نتوقف عندها، منها- مثلاً- كلامه عن وضع سيناء أمنياً، الآن، وكيف أن المشكلة كلها مع أهل الإرهاب تنحصر فى المسافة الممتدة من حدودنا مع فلسطين إلى العريش، وفقط، وأن الجيش يتعامل معها بما يجب، وأنه قادر عليها، لأنه الجيش المصرى أولاً، ولأن الجميع يعرفون تمام المعرفة، ثانيا، حقيقة قدرات الجيش المصرى العظيم، حين يقرر أن يتصدى لشىء.
وقد كنت أتمنى لو أفاض الرئيس أكثر فى الحديث عن هذه المسألة تحديداً، لأن مساحة سيناء 66 ألف كيلومتر مربع، ولأن المسافة التى أشار إليها لا تكاد تزيد على 30 كيلومترا، ولأن هناك مَنْ يمارس الدعاية المركزة خارجياً، بقصد تصوير سيناء كلها على أنها منطقة إرهاب بالكامل، بل إن هناك مَنْ يمارس الدعاية ذاتها ليصور مصر كلها على أنها جميعها صورة مما يحدث بين رفح على حدود فلسطين شرقاً، وبين العريش على أرضنا غرباً!
تلك مسألة كنت أتمنى لو أكد الرئيس عليها، ثم أعاد التأكيد، مرتين، وثلاثاً، وعشراً، حتى يقطع الطريق على الذين يشوشون على صورة البلد بكامله فى الخارج، ولا يتوقفون عن القول لهذا الخارج، طول الوقت، إن مصر مهددة بالإرهاب بكاملها، وإنه لا فرق بينها كلها، بمساحتها البالغة مليون كيلومتر مربع، وبين الثلاثين كيلومتراً الممتدة من رفح إلى العريش!
ومما قاله الرئيس كذلك، ثم مر عليه عابراً مع أنه كان يستحق التوقف عنده قليلاً، أن المصريين صاروا بعد أيام الإخوان يفرّقون جيدا بين الدين فى أصوله وفطرته الأولى، وبين الذين يتاجرون بالدين!
هذه قضية كانت تستأهل وقفة منه وشرحاً، لأنها أساسية، وليست هامشية، ولأنها من المهم أن تترسخ فى عقل كل الذين استمعوا إلى الحوار، ولأن الإخوان أنفسهم، يبدو أنهم لم ينتبهوا إليها حتى لحظة كلام الرئيس عنها، مع أنها تخصهم أكثر مما تخص أى طرف غيرهم.
هذا كله وغيره مما تناثر على طول الحديث، يظل محسوباً للرئيس، ويبقى فى ميزانه عند الناس. غير أن ما أحسبه عليه، وأرجو أن يتسع صدره لذلك، أنه تهرّب من الإجابة عن السؤال، عما إذا كانت هناك دراسة جدوى اقتصادية لمشروع المليون ونصف المليون فدان أم لا؟! وكان السؤال واضحاً، وكان صاحبه يسأل عن السبب الذى منع الدولة، ولايزال يمنعها، من إتاحة دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع لكل مصرى، حتى يطمئن قلب كل واحد منا، ولكن الرئيس لم يقترب من الإجابة عن السؤال وتجاهلها كلياً، وأجاب بشىء آخر تماماً، وراح يستفيض فى الكلام عن «امتلاك القدرة» بالنسبة للدولة فى الزراعة وفى غير الزراعة.
ولا أعرف لماذا غاب عن الأستاذ أسامة أنه ينوب عن المشاهد أمام الرئيس، وأن عليه بالتالى أن يعيد طرح السؤال على الرئيس حتى يحصل على إجابته، وأن يعيد تذكير رأس الدولة بأنه كصاحب سؤال، لا يسأل عن امتلاك قدرة، ولكنه يسأل تحديداً عن دراسة جدوى «اقتصادية» للمشروع، وعما إذا كانت موجودة أم لا.. وأين هى.
ربما أحس صاحب السؤال بأن إعادة طرحه سوف تكون محرجة للرئيس.. فتجاوز الإجابة الغائبة إلى البحث عن إجابات لأسئلة أخرى، بما أدى فى النهاية إلى أن تصبح هذه الإجابة الغائبة ثغرة كبيرة فى الحوار كله، لأننا نتحدث عن دراسة جدوى اقتصادية لمليون ونصف المليون فدان، لا لفدان ولا لعشرة أفدنة!
هل يعرف الرئيس، وهل يعرف أسامة كمال، أن الدكتور محمود عمارة لمّا يئس من الحصول على جواب واضح لهذا السؤال تحديداً، ولمّا أحس بأنه كلما سأله راوغ الذين عليهم أن يجيبوا وغيّروا الموضوع، توقف عن الكتابة نهائياً، وغادر البلد يملؤه الإحباط كما يملأ غيره، ممن تعنيهم القضية نفسها؟!.. هل يعرف الرئيس والمحاور أن الدكتور عمارة توقف وغادر، ولسان حاله يردد الآية الكريمة: «فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله»؟!.. هل يعرفان؟!