x

عبد الناصر سلامة نعم نستطيع عبد الناصر سلامة الأربعاء 01-06-2016 21:22


أثار انتباهى خبر قبل أيام، جاء به أن أحد أفرع شركات الرقابة على جودة السلع بالموانئ، والتفتيش الخاص بالمواد البترولية، ومقرها بالإسكندرية، تحتفل بحصولها على المركز الأول من بين كل فروع الشركة فى العالم، وعددها يزيد على ٢٠٠ فرع فى كل القارات، بالمناسبة: الشركة «أمريكية- هولندية»، لها معامل فى برج العرب، وأخرى بالسويس، المفاجأة: أن كل العاملين بالشركة مصريون، معظمهم من جيل الشباب، هكذا فهمت من الخبر.

كان بودّى التواصل مع مدير ذلك الفرع، أو أحد من المسؤولين هناك، إلا أن عدم استطاعتنا ذلك لا يجب أن يثنينا عن إلقاء الضوء على مثل ذلك الإنجاز الذى يؤكد حقيقة مهمة جداً، وهى أننا نستطيع أن نكون فى المقدمة، شباب مصر يستطيع أن يحقق المعجزة، هكذا استطاعوا خارج مصر، لماذا أخفقوا أو بمعنى أصح، ودون مواربة أو خجل، لماذا فشلوا فى الداخل، وإذا كان باستطاعتهم النجاح فى الداخل لماذا نجحوا فى مثل تلك الشركة السابق الإشارة إليها، وفشلوا فى المجالات الأخرى.

أتصور ودون عناء فى البحث أن مدير ذلك الفرع لا يعمل أبداً بعقلية إدارة شركة عمر أفندى سابقاً، أو حتى بعقلية إدارة حكوماتنا المتعاقبة، وإلا لأصبحنا فى حال غير الحال، أتصور أن لوائح العمل لديه تمنحه الحق فى وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، دون الرجوع إلى قوانين تُقيِّد من إطلاق يده فى التطوير أو النهوض بالعمل، أتصور أنهم لا يخضعون أبداً لا للقضاء الإدارى ولا للإدارية العليا التى تصدر أحياناً أحكاماً بأحقية فلان أو عدم أحقية فلان، انطلاقاً من قوانين لا تراعى أبداً ذلك التطور الحاصل فى العالم، الذى يعتمد على عامل الكفاءة فى التوظيف والترقية، دون النظر لأقدميات أو أولويات من أى نوع، أتصور أنهم لا تُفرض عليهم قرارات فوقية بتعيين هذا المدير أو ذلك الغفير.

أفرع هذه الشركة، كما هو واضح، تنتشر فى الولايات المتحدة، وكل دول أوروبا وآسيا، وبعض الدول الأفريقية، إلا أن الشباب المصرى، أو العمالة المصرية، كانت هى الأفضل على الإطلاق، لذا كان لأبنائنا الحق فى الاحتفال، كان لهم الحق فى الفخر، كان لهم الحق فى الزهو بين أقرانهم من كل دول العالم المتقدم.

كنت أعتقد أننى سوف أجد فى أعقاب ذلك خبراً بتكريمهم على المستوى المحلى، حتى لو كانوا يعملون فى شركة أجنبية، تكريمهم من وزير البترول، أو حتى من رئيس الوزراء القادم من هذا القطاع، كنت أتصور أن وسائل الإعلام سوف تُلقى الضوء على هذه المجموعة من الشباب بهدف تحفيز غيرهم فى القطاعات الأخرى، بالتأكيد هم ليسوا فى حاجة إلى مثل ذلك التكريم، فقد عرفوا طريقهم إلى النجاح بمنأى عن فعالياتنا المثيرة للريبة طوال الوقت.

الأمر المهم هنا هو أن شباب مصر فى حاجة إلى الفرصة، إنما دون تعقيدات إدارية، دون لوائح محبطة، دون تدخلات فوقية، الرجل المناسب فى المكان المناسب بشفافية، ودون محسوبية، تعليم جيد فى البداية، يعقبه اختيار أمثل فى كل موقع على حدة، هنا فقط يمكن أن ننتظر النتائج الإيجابية، الكثير من المواقع فى بلدان عديدة حولنا يقودها مصريون، حققوا نجاحات باهرة، كانوا طوال الوقت نماذج مضيئة ومُشرفة لمصر بصفة عامة.

هذا النموذج الذى نحن بصدده فى الداخل يجب أن نتوقف أمامه طويلاً، يجب أن نتدارسه، جهاز التنظيم والإدارة يجب أن يطّلع على كيفية سير العمل هناك، جهاز المحاسبات كذلك، الحكومة بصفة عامة، بالتأكيد لا توجد هناك عمالة زائدة، بالتأكيد أجواء العمل مناسبة للإبداع، بالتأكيد كل منهم لديه فرصة التخيُّل والتجديد، مدير ذلك الفرع يجب أن يخاطب الناس، كل الناس، من خلال شاشات التليفزيون.. يجب أن يحكى تجربته.. يجب أن يُحدثنا عن مقومات النجاح التى يتقنها، وأسباب الفشل التى قد لا يعرفها.

نعلم جميعاً أن الجهاز الإدارى لدينا متخم بما ليس فى حاجة إليه.. نعلم أن رواتب الموظفين تلتهم الجزء الأكبر من موازنة الدولة.. نعلم أن الفساد ينخر فى كل أوصال الدولة الرسمية، إلا أن السؤال المطروح دائماً وأبداً هو: ماذا فعلنا حتى يمكن أن نخرج من هذه العثرة؟.. ماذا خططنا لمستقبل دون فساد، ودون ترهل، ودون فشل، سنوات طويلة من النحيب والبكاء على اللبن المسكوب، وما هو فى طريقه إلى السكب، إلا أن الحال هو الحال، بل إن الأمر يزداد سوءاً؟

أعتقد أنه قد آن الأوان لبدء صفحة جديدة من العمل الجاد، دون منغصات بيروقراطية، ودون تسولات خارجية، لدينا من الخبرات ما يجعلنا نعتمد على أنفسنا.. إن نحن أردنا ذلك، لدينا من الشباب من يمكن الاعتماد عليهم فى كل المجالات.. إن نحن أردنا ذلك، لنجعل من هذه الشركة أو ذلك الفرع النموذج للبداية.. إن نحن أردنا أيضاً ذلك، لكن يبقى السؤال: هل نحن نريد ذلك أم أننا سوف نظل نخضع لفلسفة المعوقين: ليس فى الإمكان أبدع مما كان؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية