x

محمد علي إبراهيم مصر كلمة السر.. تركيا وإيران.. إسرائيل والخليج! «2-2» محمد علي إبراهيم الثلاثاء 24-05-2016 12:57


بمجرد ظهور الجزء الأول من المقال عن مبادرة الرئيس السيسي للسلام إلا واتصل بي عدد من الأصدقاء معاتبين وغاضبين.. معظم الانتقادات تركزت على هل مازلنا نثق بإسرائيل بعد كل هذه المؤامرات والتسويف؟ وهل نسينا ما فعلته حماس ومازالت من قتل جنودنا وضباطنا واجتياحهم لحدودنا عقب يناير 2011 وبث الرعب في القلوب وفتح السجون والتآمر مع الإخوان لإقامة خلافة إسلامية في مصر وإمارة فلسطينية إسلامية في سيناء!
بهدوء قلت لهم إن السياسة مصالح.. لن نظل أبد الدهر نعيش في جنازات ودماء ودموع.. يبدو أننا استمرأنا الحزن.. اعتدنا على الشعارات.. تطربنا كلمة مناضل ونكره من يرفع غصن الزيتون.. هل سنظل هكذا.. نشيع الجنازات.. ونرى الدول تتفتت من حولنا ونحن نلعن المؤامرات ونلطم الخدود وننعي حظنا البائس الذي جعلنا مطمعا للئام وقوى الشر والإرهاب.
إن المبادرة التي طرحها الرئيس السيسي أهميتها أنها تغلق الطريق أمام دعاوة الإرهاب.. الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويهدفون لتحرير القدس.. ومعهم أولئك الذين يطالبون بزوال كل أنظمة الحكم التي يعتبرونها علمانية وتقسيم الدول على أساس طائفي.. وانضم إليهم وكلاء إيران في المنطقة الذين يسعون إلى نشر التشييع وإقامة دويلات تدين بالولاء للنظام الخميني وتحارب تحت راية جهاد مقدس مزعوم ضد كل السنة.
هذا البحر الهائج الهادر التي تبتلع أمواجه الدول والشعوب لابد أن يقام في وجهه حائط صد قوي تتكسر عليه هذه الأمواج.
نعم إسرائيل صاحبة ألاعيب ومراوغات ومؤامرات.. تساعد إثيوبيا وتتحالف مع تركيا.. تسعى لإضعاف مصر اقتصاديا واستراتيجيا.. مصر قوية نعم.. لكن القوي بمن معه.. وليس بعضلاته فقط.. لو وجدت نفسك وحيدا وقد انتزعوا سوريا والبحرين واليمن والإمارات وليبيا ولبنان والسعودية أيضا.. هل سنقف وحدنا.. إن الذين يساعدون مصر بالأموال والمنح والقروض لا يتفضلون علينا بل يحمون أنفسهم أولا.. دعك من التنابذ الإعلامي والمساجلات هنا وهناك.. ونقاط الخلاف بين القاهرة والرياض بشأن سوريا.. كل هذا سينتهي ساعة الخطر.. التفتيت والتقسيم أخطر من الاحتلال الإسرائيلي.. دعونا نبدأ من حيث انتهينا في الجزء الأول.. وهو السلاح المصري.

(1)
تكلم الرئيس السيسي بوضوحه القاطع في المعاني التي يريد أن تصل إلى الجانب الإسرائيلي والفلسطيني معا ولن نعيد ما ذكره في كلمته لكن نتوقف أمام نقطتين.. الأولى أنه ذكر الجانب الإسرائيلي بأن السلام كان مستحيلا بين مصر وإسرائيل والآن الجيش المصري فاعل في المناطق المتاخمة لحدود إسرائيل بدون أن تشعر إسرائيل بالقلق بل إن وضع جزيرتي تيران وصنافير والجسر المزمع إنشاؤه عليهما للربط مع السعودية كان كفيلا بإشعال حرب بحجم حرب 1967 من قبل.
لكن اليوم نجد ترحيبا إسرائيليا بالجسر الذي يربط بين مصر والمملكة عبر خليج العقبة هذا التذكير الذي طرحه الرئيس ينبه إسرائيل لفوائد السلام الذي كان مستحيلا يوما ما، والنقطة الثانية في فحوى خطابه أن السلام ممكن بين إسرائيل ودولة فلسطين وهو كفيل لو تحقق بتغيير «كل» شيء في الشرق الأوسط ولقد جاءت كلمات الترحيب من رئيس الوزراء الإسرائيلي على الفور لخطاب الرئيس السيسي كما جاء نفس الترحيب من زعيم المعارضة الذي قال إنها كلمة درامية من الرئيس المصري وعلي إسرائيل أن تتعامل مع هذه المبادرة بكل جدية!
وبالطبع رحبت فتح وبالطبع تحفظت حماس وسأشرح لماذا تحفظت حماس؟
(2)

إن الرئيس السيسي أطلق المبادرة بعد أن أصبح يملك قوة ردع جبارة كفيلة بقهر إسرائيل.. التسليح المصري أصبح يشكل تهديدا فعليا لإسرائيل.. ما تم على أرض الواقع أكثر بكثير مما تم التنسيق بشأنه مع تل أبيب في دخول المناطق المحظورة في سيناء (ب)، (ج).
لعلي لا أذيع سرا عندما أقول إن رئيس الـ«سي أي إيه» زار مصر مرتين، كما قام جون كيري بخمس زيارات متتالية للقاهرة كان الهدف منها إقناع النظام المصري بسحب الجيش المصري إلى مناطق تمركزه غرب القناة بعد القضاء على الإرهاب.. لكن السيسي رفض.
إن مصر بخبرتها العسكرية والسياسية لم تبادر بطرح مبادرة السلام وهي ضعيفة منهكة القوى عقب ثورتين.. من ثم فقد صبرت حتى تمكنت ثم تكلمت.. مصر تمكنت اقتصاديا بمساعدات عربية وتفوقت عسكريا بتنويع مصادر السلاح.
هنا من المفيد أن نطرح سؤالا لماذا تأخرت عملية تطوير قناة السويس وإقليم القناة وتنمية سيناء طوال السنوات التي تلت السلام مع إسرائيل.
مصر انتظرت.. صبرت.. ثم ضربت.. فرضت إرادتها وشرعت في بناء الجسر، ثم إن تحديد الحدود البحرية مع قبرص واليونان جعل مصر قادرة على الكشف عن حقول الغاز الطبيعي التي كانت مطمعا لإسرائيل والتي تقع بجوار حقول إسرائيل في المتوسط! لكن مصر لم تكتشف الغاز فقط وإنما أوقفت صفقة استيراد كبرى للغاز الطبيعي من إسرائيل.
مصر اشترت لانشات بحرية فائقة السرعة وأخرى محملة بصواريخ وغواصات من ألمانيا وحاملتي مروحيات من فرنسا لتأمين الحدود البحرية التي تم الكشف عنها بما فيها من خيرات!
(3)
سأسوق مثالا صغيرا على أن مصر تتقدم على إسرائيل الآن تكنولوجياً على الأقل ولم نعد نعيش في وهم السيطرة الإسرائيلية والرعب النووي وكل هذا التهديد الذي كانت الميديا الغربية تمطرنا به.. فقد خرج قمر صناعي مصري عن مساره وفقدنا السيطرة عليه في ذات الوقت حدثت نفس المشكلة لإسرائيل.. استعادت مصر قمرها بعد فترة وجيزة بينما مازال القمر الصناعي الإسرائيلي «تائها»!
(4)

لماذا نتطوع بإقامة دولة فلسطينية وكل المحاولات السابقة فشلت؟!
الإجابة لم تكن بلدان الشرق الأوسط خاصة وبلدانه الغنية مهددة مثلما هي الآن.. القضية الفلسطينية ليست شأنا قوميا فقط لكنها أيضا شأن محلي مصري.. عندما تستطيع تأمين حدودك الشرقية للأبد ويصبح إلى جوارك دولة عربية فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس فمن المنطقي أن تتراجع مبررات حماس في النضال المزعوم والمقاومة التخيلية وحلب الأثداء التركية التي تتصور أنها تضخ حليبا لأبطال المقاومة.
إنني لا أستبعد أن يكون هناك إلحاحا إقليميا من أطراف عربية وإسرائيلية ترى أن المشهد الإقليمي يستدعي مراجعة عميقة لأزماته المتجددة في ظروف متغيره.. فالذي يشق الصف العربي الآن هو إيران وليست إسرائيل.. ومن يسعى للهيمنة الإقليمية على أدوات الصراع حاليا هو إيران وليست إسرائيل.
من ثم فإن الطرح المصري للمبادرة لا يقتصر على حل للقضية الفلسطينية فقط ولكنه يسعى للاستقرار الإقليمي وهو مصلحة استراتيجية مصرية وعربية مؤكدة تزيد من إلحاحها ضغوط أمنية على الكنانة من جهاتها الأربع.
إن طرح المبادرة المصرية حتى لو لم يحقق نجاحا سيضيف إلى رصيد مصر ويعيدها للمشهد الإقليمي السياسي والعسكري «فاعلا» وليس «مفعولا به».. المبادرة تتيح لمصر انتزاع مكانة إقليمية ومقعدا وثيرا فوق خريطة تشكيل الشرق الأوسط لتكون القوة المناوئة لإيران.
مصر بهذه المبادرة ستضع الاتصالات العربية «السرية» خصوصا الخليجية منها مع إسرائيل على الملأ.. وتسقط التعتيم الذي مازال يدور في الخفاء.
المبادرة المصرية ستحاصر «حماس».. كيف؟.. حماس الإخوانية مازالت رهينة لتركيا السنية وإيران الشيعية.. تركيا منكفئة على ذاتها بسبب مشاكلها الداخلية.. هنا تظهر مقدرة السعودية على إقناع أنقرة بوقف دعمها لحماس ويبدو أن هذا الموضوع كان على جدول أعمال الملك سلمان وأردوغان في زيارة الأول الأخيرة لتركيا.
أنقرة يمكنها إقناع حماس بإبداء قدر من المرونة لإنجاز مصالحة تاريخية لا يمكن أن يفتح في غيابها أي باب للتفاوض مع إسرائيل.
وأخيرا:
الخليج كله وليس السعودية فقط يريد استغلال مبادرة السيسي لإعادة الاستقرار الإقليمي للمنطقة، والمبادرة المصرية هي تطوير لمبادرة الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإن كانت ألبستها ثوبا حديثا يلائم الوضع المتأزم بالمنطقة.. فمبادرة الملك عبدالله انطلقت وكان العالم العربي بعيدا عن شبح التقسيم.
في النهاية نعترف أن مصر وليس غيرها هي التي أقنعت السعودية بالتوقف عن دعم ما سمي بالمعارضة السورية سعيا وراء إبقاء آخر معقل عربي موحد رغم جرائم نظامه ضد السوريين والمجازر التي ارتكبت في حقهم.. حل الأزمة السورية سياسيا سيساهم أيضا في استقرار الإقليم ويبعد المخاطر الإيرانية وعملاء طهران من تدمير العرب.. ويعيد محور دمشق- القاهرة – الرياض مرة أخرى.
المطلوب فقط أن يقف الجميع المعارضون وأنا منهم والمؤيدون خلف هذه المبادرة لتنجح.. الانقسام في كل المسائل الداخلية جائز.. لكن البصيرة الشعبية مطلوبة بشدة لهذه المبادرة.. لترى حجم الأخطار المحدقة بالوطن.
اعتذار:
اعتذر للسادة القراء عن لبس وقعت فيه في الجزء الأول من المقال عندما أشرت إلى برقية محمد مرسي الرئيس الإخواني، للرئيس الإسرائيلي كتبت أنه رابين والحقيقة أن المقصود كان شمعون بيريز.. عذرا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية