x

سمير فريد رسالة مهرجان كان: فيلمان عن ضحايا الديكتاتورية فى آسيا وأفريقيا سمير فريد الأربعاء 18-05-2016 21:44


شهد مهرجان كان خارج المسابقة عرض فيلمين تسجيليين طويلين عن ضحايا الديكتاتورية فى آسيا وأفريقيا، وهما «منفى» إخراج ريتى بان (78 دقيقة) إنتاج فرنسى كمبودى مشترك عن ضحايا نظام الخمير الحمر فى كمبوديا، و«حسين هبرى: مأساة تشادية» إخراج محمد صالح هارون (82 دقيقة) عن ضحايا نظام حسين هبرى فى تشاد. كلا المخرجين وضعا بلادهما على خريطة السينما فى العالم، وكلاهما يعيش فى المنفى فى فرنسا.

أخرج هارون أربعة أفلام روائية طويلة: «وداعاً يا أفريقيا» الذى فاز بجائزة أحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول فى مهرجان فينسيا عام 1999، و«والدنا» الذى فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مهرجان فينسيا عام 2006، و«صرخة رجل» الذى فاز بجائزة لجنة التحكيم فى مهرجان كان عام 2010، و«جريجريس» الذى عرض فى مسابقة مهرجان كان عام 2013. وفيلمه عن حسين هبرى أول أفلامه التسجيلية الطويلة.

استولى حسين هبرى على السلطة فى تشاد عام 1982، وظل يحكم حتى عام 1990 عندما أطيح به. وفى هذه السنوات الثمانى قتل فى سجون هبرى أكثر من 40 ألف معتقل بواسطة البوليس السياسى. وعندما خلع هبرى عام 1990 لجأ إلى السنغال.

وطوال ما يقرب من 25 سنة كافحت المحامية والناشطة السياسية السنغالية جاكلين مودينا (59 سنة) ومؤسسة ضحايا نظام حسين هبرى التى يرأسها الناشط السياسى كليمان أبافوتا (58 سنة) حتى يحاكم هبرى على الجرائم التى ارتكبت فى عهده، وكان أبافوتا قد اعتقل عام 1985 لمدة 4 سنوات و3 شهور بينما كان فى طريقه إلى ألمانيا للدراسة. انتصر الحق، وتم القبض على هبرى عام 2013، وبدأت محاكمته فى العاصمة السنغالية دكار عام 2015 لارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم تعذيب. ومن المقرر أن يصدر الحكم فى نهاية مايو الحالى. ومنذ القبض عليه حتى الآن رفض هبرى أن ينطق ولا حتى بكلمة واحدة أمام المحكمة. وهو أول ديكتاتور أفريقى يحاكم فى أفريقيا وأمام محكمة أفريقية.

الكلمة للضحايا

يبدأ الفيلم بمشهد للمخرج، وهو أيضاً كاتب السيناريو، وعلى شريط الصوت يقول أنه سمع باسم حسين هبرى لأول مرة وهو فى الثالثة عشرة من عمره عام 1974، وتابعه عندما تولى رئاسة مجلس الوزراء عام 1978، ثم رئاسة الجمهورية عام 1982.

يعطى هارون الكلمة للضحايا، ولكن فى مشاهد متنوعة من حيث المكان والزمان وزوايا التصوير، وهو التنوع الذى جعل الفيلم فيلماً، وليس برنامجاً تليفزيونياً تتوالى فيه الشهادات على نحو رتيب. وتبدو سينمائية أسلوب الإخراج فى عدم استخدام حركة الكاميرا أو الموسيقى إلا عندما تعلن المحامية القبض على هبرى فى اجتماع للضحايا داخل المؤسسة وبحضور رئيسها، ويحتفل الجميع بالخبر الذى طال انتظاره. ويصل الفيلم إلى ذروته فى النهاية عندما يصور هارون المحكمة خالية وعلى شريط الصوت مرافعة المحامية، فهو لا يريد أن يصور المحاكمة حتى لو لم ينطق الديكتاتور. لا يريد لنا أن نرى وجهه طوال الفيلم.

ويستخدم هارون وثائق الأرشيف السينمائية مرتين، الأولى بالأبيض والأسود عند اكتشاف المقابر الجماعية بعد سقوط النظام. والثانية بالألوان من بعيد لاقتياد هبرى من القفص إلى محبسه بعد انتهاء إحدى جلسات المحاكمة وهو يقاوم رجال الشرطة وقد غطى وجهه وكل جسده.

وفى مشهد يتمتع بكثير من خصوصية الثقافة الأفريقية يجلس على أريكة خشبية كليمان أبافوتا رئيس المؤسسة بين أحد ضحايا التعذيب والجندى الذى قام بالتعذيب، ويدور حوار تراجيدى وتاريخى وإنسانى عميق. يقول الجندى إنه كان ينفذ الأوامر، فيرد الضحية ولكن الضابط قال لك لا تضرب على البطن ولم تستمع إليه. ويطلب أبافوتا من الجندى أن يعتذر، فيرفض الضحية، ولكن الجندى يعتذر ويطلب من ضحيته الغفران.

الثورة: معالجة جريمة بجريمة

فى عام 2013 أخرج ريتى بان فيلمه التسجيلى الطويل «الصورة المفقودة» الذى عرض فى مسابقة «نظرة خاصة» فى مهرجان كان ذلك العام، وفاز بجائزة أحسن فيلم، ورشح للأوسكار، وحقق نجاحاً دولياً كبيراً. وكان موضوع الفيلم الجرائم التى ارتكبت فى ظل حكم «الخمير الحمر» الشيوعى فى كمبوديا من 1975 إلى 1979.

فى «منفى» يعود بان إلى نفس الموضوع، ولكن فى إطار تعبيره عن تاريخ بلاده من خلال سيرة حياته مع أسرته. وهو لا يروى هذا التاريخ أو تلك السيرة حسب التتابع الزمنى، وإنما يتنقل بين الأزمنة، وبين وثائق الجرائد السينمائية الدعائية للخمير الحمر، وبين مشهد رئيسى فى كوخ مثل الكهف تتحرك فيه الشخصية الرئيسة لشاب يقوم بدوره الممثل سانج نان، ولا يخرج منه ولا ينطق طوال الفيلم.

يتجاوز الفيلم الجنسين الروائى والتسجيلى مثل جودار فى مرحلته الجديدة. و«منفى» فيلم جودارى بامتياز. فالأسلوب يقوم على عدم وجود علاقة بين النص الذى نسمعه على شريط الصوت وبين اللقطات والصور الفوتوغرافية التى نراها على شريط الصورة، وإنما يجعل الطرف الثالث (المتلقى) هو الذى يصنع العلاقة بين الصوت والصورة بعقله وخياله. يتأمل الفنان معنى الثورة بصفة عامة على ضوء جرائم «الخمير الحمر»، وهى جرائم وحشية كان ضحاياها بالملايين، ويرى أن الثورة «معالجة الجريمة بجريمة»، ويشير إلى قول روبسبير الشهير أثناء الثورة الفرنسية «كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الحرية».

وكما يتجاوز الفيلم أجناس السينما، يتجاوز التاريخى والواقعى إلى المطلق الميتافيزيقى. هنا الإنسان يأكل كل شىء وأى شىء. نرى الصرصار يتلوى على الفحم المشتعل قبل أن يموت، وكذلك الفأر، ونرى الديك يخنق قبل أن ينتزع ريشه. الشاب فى وضع الجنين داخل الرحم، ولكن فى صحن كبير. فى ثلاث لقطات متوالية بالمزج تموت الحمامة، ثم تصبح هيكلاً عظمياً، ثم تختفى تماماً ولا يعود لها أى أثر. سيزيف هنا لا ينقل الصخرة إلى أعلى الجبل، وإنما من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين داخل الكوخ/ الكهف، وكأن الإنسان لم يغادر الكهوف الأولى.

لا تتحرك الكاميرا، ولا نسمع موسيقى، وإنما تراتيل فى خلفية شريط الصوت. السينما هنا لغة الشعر والحلم والفلسفة فى آن واحد.

أخبار

■ أضافت إدارة مهرجان كان فيلماً جديداً خارج المسابقة، وهو الفيلم الفرنسى التسجيلى الطويل «بشمركه» إخراج برنار- هنرى ليفى (92 دقيقة) وهو اسم قوات الأكراد المسلحة. ويعرض الفيلم فى الثالثة مساء غد الجمعة. وهذه من المرات النادرة فى تاريخ المهرجان التى يضاف فيها فيلم جديد أثناء انعقاد الدورة.

■ حصلت «ماد سيلوشنز» على حقوق التوزيع فى العالم العربى لفيلم «سائقى وأنا» إخراج عهد كامل، وهو أول فيلم روائى طويل للمخرجة السعودية التى سبق أن قامت بالتمثيل فى فيلم «وجدة» إخراج السعودية هيفاء المنصور.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية