حتى الآن لم يسأل أحد عن الفرص والمخاطر الكامنة في إعلان ولي ولي العهد السعودي- منذ أسبوعين- خططا لتأسيس صندوق سيادي، سيكون الأكبر في العالم، وسيدير في نهاية المطاف أصولا بقيمة تريليوني دولار، وكذا تأكيد الأمير محمد بن سلمان أن الاستثمارات ستكون مصدر الإيرادات للسعودية، وليس النفط بعد عدد من السنوات. وحسب المعلن أيضا فسوف تصل حصة الاستثمارات الخارجية للصندوق إلى 50%، من إجمالي أرصدته.
صحيح أن السعودية تملك قبل هذا الإعلان خامس أكبر صندوق سيادي بالعالم (بأصول نحو 700 مليار دولار)، لكن صندوق بـ 2 تريليون دولار وفى ظل أوضاع إقليمية وعالمية فائرة، سيستوجب نهجا سياسيا سعوديا مختلفا، وسياسات وأساليب عمل مغايرة للسائد حاليا، ويفرض وقائع جديدة على أرض حركة السيولة الدولية، وسيتضمن بالضرورة عمليات هجومية ودفاعية ومخاطر بعضها يمكن أن يكون مدمرا.
مصر عطشى لا جدال إلى استثمار أجنبى بنوعية- مباشر وغير مباشر (أي في الأوراق المالية الحكومية وفى البورصة المصرية)، لكن المعضلة أن الصندوق السعودى، والذى قيل إنه سيوجه حركة الاستثمار العالمى، لن يزاحم كثيرا في الأسواق الصعبة لأسباب يمكن تخمينها، وأعنى بها أسواق أوربا وأمريكا والصين، وبالتالى ستسعى المملكة إلى خلق حيز أو مجال حيوى مالى له، يشمل عدة دول في المنطقة لتكون نقاط ارتكاز في عمله، وأتصور أن دولا مثل مصر والسودان ومناطق بالشام والعراق وتونس والمغرب ونيجيريا، ستكون محل اهتمام مكثف، من إدارة هذا الصندوق، وسيترتب على ذلك طلبات، ثم تضخيمات مرتقبة في أنواع معينة من الأصول، يفضلها الاستثمار السعودى كعهدنا به، مثل الأراضى والعقارات والسياحة والفندقة والصناعات الغذائية وبعض الخدمات الصحية والتعليمة والترفيهية.
لقد رأينا هجمة في السنوات الماضية من مستثمرين سعوديين (وإماراتيين) على مثل هذا الاستثمار في مصر، لكن المقبل برأيى سيكون شيئا ذا أبعاد سياسة ومالية واجتماعية وحتى ثقافية، ويتطلب من الدولة المصرية والمستثمرين بالقطاع الخاص وربما المجتمع وعيا ويقظة.
لعبة الاستثمار المفضلة في كل انحاء العالم، لا تخرج عن تسخين وتبريد قيم الأصول، بكل الحيل الممكنة، وتحقيق مكاسب في غضون ذلك، ولهذا لابد من تهيؤ ذكى ومدروس للتعامل مع هذا التحول المثير، لكى يتم تحقيق توازن في المنافع بين طرفى الاستثمار.
وقديما قيل «حرص من صحبك وما تخونوش».