حين أنتج فيلم «أيام السادات»، صيف عام 2001، حرصت على مشاهدته فى أول أسبوع من أسابيع عرضه، وهذا هو ما حدث بالفعل، حيث شاهدته وتابعت فى الوقت ذاته رد فعل جمهور المشاهدين داخل قاعة العرض، وقد كان من الواضح أنه متعاطف جداً مع السادات بدليل تصفيقه أكثر من مرة وفى أكثر من مشهد، وبوجه خاص عندما تظاهر السادات بالدهشة لدى إبلاغه خبر مصرع أمين عثمان، وترحم عليه وكأنه لم يكن يعلم شيئاً عما جرى!!..
حين شاهدته لم يمنعنى إعجابى بأداء الفنان أحمد زكى، الذى جسد شخصية أنور السادات باقتدار عبقرى، من أن أستعيد السؤال الذى طرحته على نفسى أكثر من مرة، تحديدًا، كلما قُدر لى أن ألمس رد الفعل الجماهيرى فى مناسبة أو أخرى ترد فيها ذكرى محاكمة الرئيس أنور السادات فى قضية اغتيال أمين باشا عثمان.. السؤال الذى أقصده هو: لماذا نكيل بمكيالين؟
ولماذا نستنكر الجريمة البشعة المتمثلة فى اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات (وهى جديرة بغير شك بكل آيات الاستنكار)، ولا نتردد- جميعنا أو أغلبنا على الأقل- فى وصف القاتل خالد الإسلامبولى بأنه إرهابى، بينما الكثيرون منا- أو بعضنا على الأقل- لا يستنكرون إطلاقًا أو يستنكرون بدرجة أقل جريمة اغتيال أمين باشا عثمان رغم أنها لا تقل إثماً وبشاعة؟..
ولماذا نادراً ما نجد بيننا من يصف الجناة الذين خططوا وشاركوا فى تنفيذ تلك الجريمة (ومن بينهم أنور السادات نفسه) بأنهم إرهابيون، رغم أننا فى الحالتين إزاء نفس الفعل الآثم، ألا وهو التصفية الجسدية لشخصية سياسية، لمجرد أننا نختلف معها فى الاجتهاد والتوجه؟..
وفى كلتا الحالتين كانت التهمة الموجهة إلى الضحية والتى استوجبت من أجلها التصفية الجسدية هى أنها تدعو إلى الارتباط بقوة غربية عظمى (بريطانيا فى حالة أمين عثمان، والولايات المتحدة فى حالة أنور السادات)، وكان الجناة فى كلتا الحالتين شبانًا متطرفين فى الوطنية أو التأسلم ممن يتصورون أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم، ويمتلكون بالتالى سلطة إصدار حكم على المتعاونين مع القوة العظمى ودمغهم بالخيانة، وهو ما يمهد الطريق إلى تصفيتهم جزاءً لهم على خيانتهم!!..
ربما تساءل الكثيرون من القراء عن المناسبة التى جعلتنى أستعيد هذه الذكرى وأعيد طرح السؤال الآن..
الجواب هو مقال كتبته الأستاذة لوتس عبدالكريم التى لا أعرفها معرفة شخصية (رغم أنى كنت واحداً من الذين كتبوا فى مجلة «شموع» التى كانت سيادتها ترأس تحريرها)، المقال الذى كتبته الأستاذة لوتس نُشر على مدى حلقتين فى «المصرى اليوم» بمناسبة مرور سبعين عامًا على اغتيال أمين باشا عثمان الذى عرفتُ من المقال أنه خال سيادتها..
وربما كانت صلة القرابة الوثيقة هذه هى السبب الذى جعلها تقدمه فى صورة أكثر وردية وإشراقًا مما كان عليه فعلًا، وهذا أمر مفهوم ومبرر من المنطلق العاطفى والإنسانى، لكنه قد دفع بسيادتها إلى الوصول إلى استنتاجات وآراء يصعب أن نوافقها تماماً عليها، فالرجل كان كفاءة لاشك فيها بدءًا من مرحلة الدراسة مرورًا بمرحلة العمل الوظيفى وانتهاء إلى مرحلة العمل السياسى والنشاط العام، والدليل على ذلك فى مرحلة الدراسة هو تفوقه فى دراسته ذات الطابع الإنجليزى الخالص تقريباً، سواء فى كلية فيكتوريا بالإسكندرية وهى المدرسة ذات المستوى الرفيع التى تخرجت فيها نخب النخب من المصريين وغير المصريين والتى تفوّق فيها أمين عثمان على أقرانه، وللحديث بقية.