ربما كان من نافلة القول أن أُذكر القارئ بأن مصطلح «إرهاب»- شأنه فى هذا شأن مصطلحات أخرى عديدة- تتباين دلالته بتباين مستخدميه، وبتباين السياق الذى يُستخدم فيه، كما تتباين كذلك بتباين المرحلة التاريخية التى يُستخدم فى إطارها، ولا مناص من ثَمَّ لكل مَن يحاول التعرف على دلالة المصطلح فى حقبة تاريخية معينة من أن يقارن بين الكيفية التى يُستخدم بها فى تلك الحقبة لدى عدد من مستخدميه، وأن يستعرض الأمثلة التى يستشهدون بها فى كل حالة، ومن هذا المنطلق، وفى ضوء معايشتى الشخصية لدلالة مصطلح «إرهاب» فى المحافظة التى قضيت فيها جانبا كبيرا من صباى فى قلب صعيد مصر «أسيوط»، قبل أن أستقر بعد ذلك فى محافظة مجاورة فى قلب الصعيد أيضا «سوهاج»، فى ضوء هذه المعايشة أستطيع أن أقرر، بقدر كبير من الاطمئنان، أنه وإن كان معنى الإرهاب فى الأصل هو الترويع، وبالتالى فإن كل ما يؤدى إلى ترويع المواطنين هو إرهاب لهم، أياً ما كان الهدف إلى ذلك الترويع، وأياً ما كانت الجهة التى يصدر منها، حتى لو كانت هى ذاتها الجهة المنوط بها حمايتهم- «الأجهزة الأمنية مثلا»ـ رغم ذلك فإن المصطلح قد استُخدم عمليا، ومازال يُستخدم، بشكل شديد التباين ما بين الأجهزة الرسمية والحكومية من ناحية، وما بين الوجدان الشعبى فى صعيد مصر من ناحية أخرى!! صحيح أن الاستخدامين قد يتقاربان وقد يلتحمان فى مناسبات أو فى مواقف معينة، لكن هذا التلاحم لا يستمر طويلا، إذ سرعان ما يعود التباين بين الدلالة التى ينصرف إليها المصطلح لدى استخدامه فى كل منهما،
فعلى المستوى الرسمى كان معنى الإرهاب دائما ينصرف فى المقام الأول إلى أى عمل مسلح يستهدف- أو تترتب عليه بشكل مباشر أو غير مباشر- زعزعة نظام الحكم وهدم الثقة فى الحكام!! أما على مستوى الوجدان الشعبى فى صعيد مصر فإن المصطلح كان ينصرف أساسا إلى تلك الأفعال الإجرامية التى كانت تقوم بها نماذج من أمثال نموذج محمد منصور، الذى كان أول مَن حمل لقب «خُطّ الصعيد»، والذى اتخذ من قرية درنكة بمحافظة أسيوط مسرحا لنشاطه الإرهابى، المتمثل فى السطو المسلح والخطف وقطع الطرق وفرض الإتاوات والقتل فى حالة عدم الامتثال لمطالبه- «بلغ عدد الضحايا الذين أجهز على حياتهم نحو عشرين ضحية»- صحيح أن مثل هذه النماذج لم تكن هى المصدر الوحيد للترويع، لكنها هى التى استأثرت بوصف الإرهاب، أما ما كانت تقوم به السلطات الرسمية فقد كان يوصف حينما كان يتجاوز القانون، «وكثيرا ما كان يتجاوز»، بأنه جبروت حكام!! وأما ما كانت تقوم به الميليشيات المسلحة التابعة للعائلات المختلفة من اقتتال فى مواجهة بعضها البعض فقد كان من الراسخ فى الوجدان الشعبى أنه معارك مشروعة، دفاعاً عما يؤمن أبناء العائلات المقتتلة بأنه الحق والعدل والكرامة! وهنا نتوقف لكى نسجل ملاحظة لها دلالتها، تتمثل فى أن الرهان فى الدولة الحديثة عموما هو دائما لصالح الدولة ومؤسساتها الرسمية، التى تحتكر لنفسها الحق فى استخدام القوة وقت اللزوم.. أما فى صعيد مصر، وفى محافظة أسيوط بوجه خاص، فإن الرهان على العائلة هو الذى بدأ يتصاعد يوما بعد يوم.. بعد أن أثبتت المؤسسات الرسمية للدولة، «وبوجه خاص مؤسسة العدالة»، عجزها عن تقديم الحد الأدنى من المهام التى يُناط عادة بالدولة القيام بها، وفى مقدمتها: الأمن والعدالة!! وللحديث بقية.