x

هاني السلاموني دولة القانون... سابقًا هاني السلاموني الأربعاء 04-05-2016 21:41


الحديث عن التنمية المستدامة في مصر يرتبط بصورة كاملة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمصر أقدم دولة في التاريخ تقف عند مفترق طرق؛ فهناك تحولات جيوسياسية تحدث في العمق الاستراتيجي العربي في سوريا والعراق وليبيا، بينما تهدد إثيوبيا مستقبل مصر المائي والاقتصادي من الجنوب وتنازعنا اليونان وقبرص وإسرائيل في حدودنا الاقتصادية في البحر المتوسط، ناهيك عن قضية جزيرتي تيران وصنافير والذي يوحي التنازل المصري عن ملكيتهما بأن هناك ترتيبات يجري تجهيزها لإعادة استغلال المنطقة اقتصادياً ولوجستياً.

وفي وسط كل هذه العواصف تأتي السلطة في مصر بأزمات متتابعة مصنوعة، وكرات من اللهب تلقيها تباعاً لتزيد من احتقان الشارع الذي يعاني من مصاعب اقتصادية ومازال يفتقد دولة تحنو عليه، وفي مقابل ارتفاع سعر الدولار ليتجاوز في السوق السوداء 10 جنيهات وتأخر ثمار المشروعات التنموية التي تم إنجازها على عجل مثل قناة السويس وغيرها، يأتي الفشل في التواصل مع الشباب باعتراف رئيس الجمهورية وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب من سن 20 إلى 30 سنة ليتجاوز حاجز الـ 30% (تشير بعض التقديرات إلى أن 40% من الشباب الجامعي في هذه الفئة العمرية بدون عمل وبالذات في محافظات الصعيد وبعض محافظات وجه بحري).

إن أكثر ما يميز الدول التي ركبت قطار التنمية وانتقلت من مصاف دول العالم الثالث إلى دول صناعية كبرى هو دولة المؤسسات ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان، والقانون هناك يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، كما يساوي بين المواطنين والحكام في إطار القانون؛ فالقاضي ورجال الشرطة وضباط الجيش والمواطن العادي كلهم سواسية أمام القانون بدون استثناءات، أما في مصر ورغم وجود دستور جديد جاء بعد ثورة 25 يناير2011 وخلع الإخوان بإرادة شعبية في 30 يونيو 2013 ينص على استقلال المؤسسات، وعلى أن الشعب هو مصدر السلطات، وعلى سيادة القانون، إلا أن الواقع الفعلي أن جميع المؤسسات مازالت تخضع لسلطة واحدة تقوم على المصالح والعلاقات الشخصية والانتماءات، وتسعى في محاولات دؤوبة لإعادة إنتاج الدولة الأمنية التي تحارب الإرهاب، وفي سبيل هذا الهدف (الذي يواجهه العالم أجمع وليس مصر فقط) يتم التعدي يومياً على حقوق الإنسان المصري ومنعه من حقه الطبيعي في المعارضة وعدم السماح له بالحديث إلا بإذن، والأسوأ من ذلك اعتقاله وسجن الشباب المطالب بالديمقراطية بتهم سابقة التجهيز، وتكميم أفواه أصحاب المواقف المعارضة حتى لو كانوا مؤيدين وداعمين سابقين للدول، والسماح بانتهاك الحريات الشخصية وانتهاج حملات ممنهجة للتشهير بهم وبحياتهم الخاصة، والأسوأ هو استخدام ميليشيات من البلطجية والمسجلين الخطرين على الأمن لقمع الشارع المصري وإرهابه، وكأن عصا الأمن الغليظة لا تكفي وحدها.

إن مسلسل الانتهاكات والتي كان اقتحام نقابة الصحفيين قبل احتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة والنشر آخر حلقاتها، يدل على ضرورة إعادة هيكلة السلطة في مصر وليس منظومة وزارة الداخلية فقط أو إقالة مسؤول ما هنا أو هناك، فإن مصر لا تستحق منا أن تصنف كثاني أكثر دول العالم سجنا للصحفيين وأن يأتي ترتيبها رقم 159 بين دول العالم في مؤشر حرية الصحافة وهو أحد العوامل المؤثرة على نصيب مصر من إجمالى الاستثمارات الأجنبية المباشرة طبقًا للتقرير العالمي للاستثمار لعام 2015 والذي يصدر سنوياً عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والذي بين أن الاستثمار الأجنبي المباشر على صعيد العالم بلغت قيمته 1.23 تريليون دولار وأن نصيب مصر 4.8 مليار دولار فقط من هذه الاستثمارات بنسبة 4.6% برغم أن المنطقة العربية جاءت في المرتبة الرابعة عالمياً بين 7 مجموعات جغرافية جاذبة للاستثمار لعام 2015.

كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1948 والذي نادى في مقدمته بحقوق متساوية وثابتة لكل البشر حيث أدى تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها في الماضي إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وأنه من الأساسي أن يتم وضع نظام قانوني لتكريس حقوق الإنسان إذا ما أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى التمرد على الطغيان والاضطهاد، كما أن الدول الأعضاء بالجمعية العمومية للأمم المتحدة قد تعهدت بالعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان تعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لضمان مساعدة الشعوب على النهوض بالتقدم الاجتماعي وتحسين مستويات الحياة والحريات، وبالتالي فإن ما يجري من أحداث في مصر أجبر الأمين العام على الإعراب عن قلقه؛ وهو ما يعرف في الأوساط الدبلوماسية بأنه تحذير بأن هناك مخالفة للاتفاقيات الدولية الملزمة لمصر؛ مما يضع مصر تحت مزيد من الضغط الدولي في وقت نحتاج فيه لزيادة القوة الناعمة لمصر وحشد التأييد الدولي لدعم الدور السياسي لمصر في الشرق الأوسط وأفريقيا، والوقوف ضد تمدد النفوذ الإيراني والتهديدات الإسرائيلية والغربية.

إن متوسط عمر المجتمع المصري 23 سنة؛ وهو ما يعني أننا أمام مجتمع نسبة الشباب به حوالي 80% هم الأمل الحقيقي والخيار الوحيد القادر على التطوير والابتكار لتحقيق التنمية المستدامة التي عجزت السلطات المتعاقبة منذ أكثر من 60 سنة على تحقيقها، إن سياسة قمع الشباب وسجنهم لن تؤدي إلا إلى تأخير محدود في دوران عجلة التغيير الذي سيحدث شاء من شاء وأبى من أبى، كما أن ثورة 25 يناير لم تكُن حراكاً شبابياً للتخلص من رئيس وسلطة فاسدة فقط وإنما طالبت بتغيير حقيقي وضروري وجذري في البنية السياسية والاجتماعية الاقتصادية والثقافية للمجتمع والدولة.. إن مصر تحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى لأن نبدأ حوارًا مجتمعيًّا حقيقيًّا يصل بنا لعقد اجتماعي جديد يضمن مؤسسية الدولة وسيادة القانون وحقوق الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة التي هي قضية حياة أو موت لمصر الحديثة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية