x

هاني السلاموني مصر بلا فساد من أجل تنمية مستدامة هاني السلاموني الثلاثاء 08-03-2016 21:55


يعرف الفساد بأنه إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة الشخصية، حيث يعتبر الفساد عائقاً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية بالدول النامية، وقد احتلت مصر المركز 88 من 177 دولة في تقرير منظمة الشفافية لعام 2015 بعد أن كانت في المركز الـ 94 في تقرير عام 2014. وتظهر التجارب التنموية للعديد من الدول مثل سنغافورة وماليزيا وجورجيا اقتران التنمية بمكافحة الفساد، حيث يؤدى انتشار الفساد وحالة اللا شفافية في الممارسات العامة إلى انحسار ثقة الشعب والمستثمرين الأجانب في مؤسسات الدولة والحكومات ويضعفها ويؤدى لإهدار موارد الدولة، وتقدر الأمم المتحدة حجم الأموال العامة التي تتعرض للنهب والاختلاس بسبب الفساد الحكومى في العالم إلى 1500 مليار دولار سنوياً، ويتم تحويل هذه الأموال إلى حسابات شخصية وودائع سرية.

في عام 1959 أصدرت سنغافورة قانون مكافحة الفساد، كما أنشئت إدارة مستقلة للتحقيق في ممارسات الفساد، والتى تعاونت بشكل منظم مع مؤسسات المجتمع المدنى في مراقبة والإبلاغ عن أي جرائم فساد، كما تم تحديد دور الوزارات في التخطيط الاستراتيجى فقط أما الخدمات التنفيذية فقد تم فصلها ومنحها للإدارت المحلية (البلديات)، بما في ذلك جمع الضرائب والرسوم، والتى يتم تقديرها من موظفي الإدارات المحلية، ويتم تسديدها في حساب موحد بالبنوك وفى نفس الوقت تم تبسيط الإجراءات الإدارية، وتدريب مؤسسات المجتمع المدنى لتقديم الخدمات الإدارية بالطريق الإلكترونى، بهدف خفض الضغط على الإدارات التنفيذية، وتقليل مساحة الاتصال المباشر بين طالب الخدمة والموظف، وبمرور الوقت وارتفاع مستوى التعليم والتقدم التكنولوجى أصبح في إمكان المواطن السنغافورى الحصول على 71 نوعا من التراخيص و1600 نوع خدمة عبر الإنترنت. كما تم إنشاء نظام واضح المعالم ومفتوح للمشتريات الحكومية يمكن الاطلاع عليه من خلال بوابة إلكترونية للمشتريات الحكومية تسمح للمتقدمين بعروض رؤية كل الصفقات والمواصفات المطلوبة، كما تتيح البوابة نشر إجراءات العقود الإدارية ونتائج المناقصات. كما تم التضييق على السلطة التقديرية للموظف بوضع معايير دقيقة يستند عليها في أدائه لعمله، لأن التوسع في السلطة التقديرية للموظف العام أحد موجبات الفساد، كما تم رفع أجور الموظفين لضمان حياة كريمة للموظف وفى نفس الوقت كإجراء رادع للفساد. ونجحت سنغافورة أيضاً في إصدار قانون فعال وإعداد نظام قضائى يتميز بالمهنية والصرامة للفصل في قضايا الفساد في مدة لا تتجاوز سنة كحد أقصى ينتهي فيه التحقيق والإحالة إلى المحكمة أو حفظ القضية. ذلك أن إطالة عمر القضية في التحقيق والمحاكمة مؤشر من مؤشرات الفساد والإهمال، حيث إن العدالة الناجزة تساهم في عدم السماح للمفسدين بالتمتع بما حصلوا عليه من مكاسب غير مشروعة، وفضحهم بجعل الناس تنظر لهم بوصفهم عار على المجتمع.

أما ماليزيا ففى عام 2004 أطلق رئيس وزراء ماليزيا السابق عبدالله بدوى الخطة الوطنية للنزاهة، والتى حدد بها خمسة أهداف رئيسية تشمل الحد من الفساد وسوء استخدام السلطة وتحسين كفائة الخدمات الحكومية وتعزيز الحوكمة، وأسند تنفيذ الخطة الوطنية للنزاهة إلى معهد النزاهة الذي قام بالمشاركة مع مؤسسات المجتمع المدنى بتنظيم دورات توعوية للمواطنين والشركات لرفع مشاركتهم في أعمال مكافحة الفساد، كما تم إجبار أعضاء الحكومة من وزراء وكبار مسؤولين على إعلان لذمتهم المالية سنوياً، ويتم إعلانها وإتاحتها للشعب، كما تم إنشاء هيئة مكافحة الفساد الماليزية عام 2009 وأنشئت لجنة برلمانية لمراقبة النزاهة من 12 عضوا، وطورت الدولة البوابة الرسمية للحكومة الماليزية التي تضم روابط للخدمات الحكومية المختلفة، ومنها خدمات المناقصات الحكومية وخدمات تسهيل حصول رجال الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة في الحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة لمشروعاتهم، بالإضافة إلى إمكانية دفع الضرائب من خلال الإنترنت.

كما تم تطوير نظام دعم إلكترونى لتقديم المعلومات اللازمة والتسهيلات للشركات الناشئة وتقديم طلبات الحصول على التراخيص اللازمة لتأسيس مشروعاتهم، كما أنشأ البنك المركزى موقعاً على شبكة الإنترنت لخدمة رواد الأعمال لتسهيل الحصول على الخدمات المالية، وتقديم المعلومات اللازمة حول مناخ الأعمال للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بماليزيا.

أما جمهورية جورجيا فقد كانت معروفة بأنها من أكثر جمهوريات الاتحاد السوفيتى فساداً، حيث كان أفراد جهاز الشرطة يطالبون المواطنين برشوتهم في مقابل تقديم خدمات لهم أو غض البصر عن أعمال غير قانونية، وكان لدى الفاسدين نفوذ سياسى وقدرات مالية غير محدودة لشراء الشركات والذمم والممتلكات، والأهم رجال الدولة من قضاء وإعلام ووزراء. في عام 2004 تم انتخاب ميخائيل ساكاشفيلى رئيساً للحكومة (36 سنة) الذي وضع خطة معلنة لمكافحة الفساد يتم تنفيذها على مراحل زمنية لمدة 7 سنوات استطاعت جورجيا خلالها الخروج من مستنقع الفساد، بدأت الخطة بحشد شعبى يطالب بمكافحة الفساد وإصلاح جهاز الشرطة نظراً لأنه الجهاز الذي يتعامل معه المواطنون يومياً، حيث تم فصل أكثر من 18 ألف رجل شرطة أغلبهم من شرطة المرور، وفى خلال شهر تم تعيين شباب متعلمين نجحوا في اجتياز اختبارات لقياس مستوى معلوماتهم العامة ومستواهم البدنى، وتم تغيير الزى القديم للشرطة بآخر جديد ورفع رواتب شباب الشرطة من 70 دولارا شهرياً إلى 700 دولار شهرياً، وفى بداية عملهم في الشارع أصيب المواطنون بالذهول من عدم طلب الشرطة للرشوة وعدم استجابتهم عند محاولة رشوتهم لمخالفة القوانين مهما كانت تلك المخالفة بسيطة، كما تم تطوير مبانى الشرطة لتصبح زجاجية لإرسال رسالة بأن الشرطة أصبحت أكثر شفافية وأقل فساداً، وأنه يمكن للمواطنين مراقبة الأعمال الشرطية والإبلاغ عن أي تجاوز، تلى ذلك طرح رئيس الوزراء عام 2008 كتاب عن خطة لمكافحة الفساد في الجهاز الإدارى للدولة، خاصة أن الرشوة أصبحت سلوك أعتيادى للمواطن للحصول على الخدمات العامة مثل رخص القيادة وتسجيل الملكيات وحتى الالتحاق بالجامعات، أدت السياسات الحازمة لمكافحة الفساد إلى تقدم جورجيا من المركز 87 في قائمة الدول الأكثر فساداً إلى المركز 35 في العام الماضى، وبالتالى تدفقت الاستثمارات الأجنبية، مما رفع ترتيبها إلى المركز الـ 66 في تقرير التنافسية العالمي لعام 2015 (بينما مصر بالمركز 116).

إن دولا مثل سنغافورة وماليزيا وجورجيا أطلق عليها في السابق دول الفساد لم تنجح في تحقيق تنمية مستدامة إلا بعد أن بدأت أولاً في محاربة الفساد، ويشير تقرير الاستثمار العالمى الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والاستثمار لعام 2015 إلى العديد من المؤشرات المهمة لمصر أولها أن الاستثمار الأجنبي المباشر على صعيد العالم انخفض بمعدل 16% فبلغت قيمته 1.23 تريليون دولار في عام 2015، ويعود ذلك الهبوط بحسب التقرير إلى هشاشة الاقتصاد العالمي وارتياب المستثمرين في السياسات وقلقهم من الفساد وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، نصيب مصر من الاستثمارات الأجنبية وصل إلى 4.8 مليار دولار من أجمالى 44 مليار دولار كاستثمارات أجنبية تدفقت على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 10% من إجمالى نصيب الدول العربية من الاستثمارات بينما ذهب 23% من هذه الاستثمارات (10 مليارات دولار) إلى دولة الإمارات (فى المركز الـ 25 في مكافحة الفساد)، إن تأخر مصر في معالجة ظاهرة الفساد وانتشاره سيؤدي إلى عرقلة مسيرة التنمية، وخلق أزمات اقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، والأسوأ أن الفساد يؤدى إلى تحول المجتمع إلى مجتمع هامشي يفتقد إلى المبادئ والطموح ويستحل إهدار المال العام، إن قضية التنمية في مصر هي قضية حياة أو موت والتنمية والفساد ضدان لا يجتمعان فهل نبدأ بإرادة سياسية حقيقية في جعل مصر وطن بلا فساد حتى يتحرك قطار التنمية المستدامة إلى الأمام.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية