x

سمير فريد نلهي أنفسنا حتى الموت سمير فريد الإثنين 02-05-2016 20:44


وصلتنا الرسالة التالية من الدكتوره/ سهير الدفراوى المصرى، تعليقاً على حديث الترفيه والتثقيف فى مقال الأربعاء 17 إبريل عن زها حديد:

فى الثمانينيات من القرن الماضى نشر نيل بوستمان كتابه الشهير «نلهى أنفسنا حتى الموت» Ourselves to death by neil postman Aniusing الذى يحذر فيه من أن الإعلام المرئى بطبيعته أداة تلهية، وطبيعته تتغلب على محتواه، لذلك لا يستطيع أن يقدم أفكاراً جادة، وعندما يحاول أن يقدم الأفكار الجادة مثل الأخبار فهو يقدمها وكأنها تلهية، فيهتم بالديكور، وإذا كانت من تقدم الأخبار امرأة فهناك اهتمام كبير بما تلبس وبشعرها، وقد أخذ التليفزيون مكان الكلمة المكتوبة ولكنه لا يستطيع أن يساند الفكر المنطقى الذى تسانده الكلمة المكتوبة فينتقص من قيمة المناقشات السياسية ويجعل من المواضيع المعقدة صوراً سطحية تهدف إلى أن تلهى المتفرج بالمناقشات الحادة وبالإثارة أكثر من أن تقدم له أفكاراً، وتجعله يفكر.

والمعروف أن الكلمة المكتوبة تتعامل مع أماكن كثيرة من المخ فى الفص اليسار حيث الفكر بالمنطق، وهى فى ذلك تختلف عن صور التليفزيون التى تتعامل مع كل المخ وبالأخص الفص اليمين منه، وتتعامل بالعاطفة وليس بالمنطق.

وتنبأ نيل بوستمان من أكثر من ثلاثين عاماً بأن العالم يسير فى طريق يجعل مضمون المعلومات تابعاً ثانوياً لمظهرها، وأن إدمان التلهية التى تصل عن طريق التليفزيون يجعل التليفزيون مخدراً يتعاطاه المتفرج فيتنازل به عن حقوقه الوطنية.

تذكرت هذا الكتاب وأنا أقرأ عن مرشحى الحزب الجمهورى فى الانتخابات الأمريكية، وأراهم على التليفزيون يتلاعبون بعواطف المشاهد وهم لا يستحقون قيادة أقوى دولة فى العالم، فمنهم من يقول إنه قد توصل لقناعة أن من بنى الأهرامات هو سيدنا يوسف وبناها ليخزن فيها الغلة!!، ومنهم من يقول إنه لايثق فى العلم، ومنهم من يظهر هدوءاً وحباً عجيباً وعيناه مسبلتان وتتساقط منه طيبة إذا وضعتها على الجرح تشفيه ، ومنهم من يصدم ويثير الناخبين ليظهر لهم أنه ينوى أن يغير الخال، ولا أحد منهم يتكلم عن برنامج انتخابى واضح وجيد، الكل يركز على عواطف الناخب لأن الكل يعرف أن الناخب أصبح يحكم قلبه فى أمور الانتخاب، وقد مرنه التليفزيون على ذلك خير تمرين.

وأنا أهتم بملاحظة ما يحدث فى الولايات المتحدة وأوروبا لأننى أرى فيهم ما سيحدث عندنا، فهم السابقون ونحن اللاحقون، عندما ندرس الانتخابات فى عصر لينكولن نرى أن المتنافسين كانوا يتناقشون فى مجموعات الرجال الناخبين، ويقدمون الحجج، فينتخبون بناء على وجاهة أفكارهم، وربما أول تدخل لصورة التليفزيون فى الانتخابات الأمريكية حدث فى مناقشة نيكسون وكينيدى الشهيرة التى خسرها نيكسون لأنه قيل إن ذقنه كانت قد بدأت تنبت وأعطت ظلاً على وجهه جعله غير مقبول من المشاهدين.

فى الولايات المتحدة هناك رعب مما وصلت إليه الأمور، هناك خوف من أن يصبح البهلوان الفظ دونلد ترامب أو العنصرى بن كارسون ذو العينين المسبلتين، والذى يعرف كيف يعطى صورة الطيبة والحنية، - هناك خوف من أن يصبح أى منهما رئيساً للبلاد، ولكن ماذا عنا؟ ماذا عن مصر؟

لقد أصبح شعبنا هو أيضاً مدمناً للتليفزيون، وبرامج أصبحت هى أيضاً تتلاعب بعواطف، تسليه وتصدمه وتثيره، وحدة مناقشاتها فى ازدياد مستمر، وصار الشعب حزب كنبة لثلاثة أسباب، أولاً لأن عنده الكثير من الوقت الفاضى، وثانياً هو يمل القراءة لأنه لم يتعودها فى الصغر، وثالثاً، هناك المئات من القنوات الخاصة التى تغريه، فما العمل الآن؟

ربما الحل الوحيد الذى نستطيع أن نعمله هو تربية أولادنا على حب القراءة وأن نقنع وزارة التربية بأن تربى حب القراءة فى الطلبة من الصغر فالقراءة، هى ما تستطيع أن توازن مفعول التليفزيون.

وهنا قالت شهرزاد: «فوائد القراءة كثيرة ويجب أن نكون حذرين من الاعتماد على التلهية»، وسكتت عن الكلام المباح.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية