العالم الخارجى رفض إعلان إسرائيل ضم هضبة الجولان السورية، رفضوا إعلان بنيامين نتنياهو، الصادر فى ١٧ من هذا الشهر، عدم التخلى عنها للأبد، على حد قوله، الأمم المتحدة عبرت عن قلقها بشأن هذه التصريحات قائلة: إن وضعها لم يتغير كأرض محتلة، مجلس الأمن الدولى أكد أنه لا يعترف بالإجراء الإسرائيلى، مندوب الصين لدى الأمم المتحدة، ليو جيه يى، هو فى الوقت نفسه رئيس مجلس الأمن خلال الشهر الماضى، قال للصحفيين عقب اجتماع مغلق: عبّر أعضاء المجلس عن قلقهم العميق بشأن التصريحات الإسرائيلية، وشددوا على أن وضع الجولان لايزال كما هو، وأن قرار المجلس رقم ٤٩٧، الذى صدر عام ١٩٨١، أوضح أن تطبيق القوانين الإسرائيلية واختصاصها القضائى هناك باطل.
هذا هو الموقف الدولى، ماذا عن الموقف العربى الرسمى، ماذا عن موقف كل دولة عربية على حدة، ماذا عن الموقف الشعبى، ماذا عن الأراضى العربية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلى بصفة عامة، ماذا عن الممارسات الإسرائيلية فى فلسطين المحتلة عموماً، ماذا عن المدينة المقدسة، ماذا عن المسجد الأقصى؟!
الإعلان الإسرائيلى حول الجولان يأتى فى توقيت غريب جداً، يأتى فى ظل انبطاح عربى واضح تجاه إسرائيل تحديداً، لا يكاد يمر يوم إلا ونفاجأ بأنباء عن علاقات سرية عربية- إسرائيلية، لم تستثنِ أياً من العواصم تقريباً، دول الخليج العربية بشكل خاص، وصلت الأمور إلى حد تدريب إسرائيل عناصر من هذا الجيش أو ذاك، وصلت الأمور إلى علاقات تجارية واقتصادية، ليست سياسية فقط، البعض يعول على إسرائيل فى الحماية، البعض الآخر يعول عليها فى نيل رضا الغرب.
بدا واضحاً أن الأراضى المحتلة لم تعد فى الذاكرة العربية، بدا واضحاً أن الأرض عموماً لم تعد عرضاً كما علمتنا كتب التاريخ، التفريط فى الأرض أصبح من سمات الشخصية القيادية العربية، قد تكون الذاكرة الشعبية مازالت تحمل بعض التراث العربى الأصيل، بعض الأشعار والأغانى التى مازالت عالقة فى الأذهان، بقايا الكرامة والعزة والوطنية.
أعتقد أن رسالة مجلس الأمن الدولى موجهة بالأساس إلى العواصم العربية قبل إسرائيل، أو هكذا يجب أن تكون، الأمر كان يستدعى بالأَولى قمة عربية قبل اجتماع مجلس الأمن، كان يستدعى موقفاً عربياً على مستوى الحدث، كان يستدعى موقفاً يؤكد أن الأرض العربية مازالت هى العرض، طال الزمن أو قَصر، كان يتطلب موقفاً قوياً من كل دولة على حدة، كان يتطلب استدعاء السفير الإسرائيلى فى الدول ذات العلاقات الثنائية المباشرة.
للأسف، حتى الشعوب العربية دخلت فى نفس غيبوبة الإدارة، ربما بسبب الملهاة الداخلية التى جعلتها بمنأى عن الأحداث الإقليمية، وما هى أبداً بأحداث إقليمية، نحن هنا نتحدث عن صميم الأمن القومى المصرى، من السودان وإثيوبيا وبقية دول حوض النيل، مروراً باليمن ومضيق العقبة ودول الخليج، وحتى سوريا والعراق ولبنان، وليس انتهاء بليبيا والدول المغاربية عموماً، نحن هنا نتحدث عن تاريخ مشترك، ومصير واحد.
كان لا يجب، أبدا، أن يمتد الغباء السياسى، من الأزمات الشخصية مع الرئيس السورى بشار الأسد إلى مستقبل الأمة العربية، أو مستقبل الأرض، الطائفية التى تخيم بظلالها على العالم العربى الآن لا يجب أبداً أن يمتد أثرها إلى المصالح المشتركة، من المهم أن نُفرق بين الثوابت والمتغيرات، خاصة فى ظل هذه المرحلة التى يمكن أن نخسر فيها كل شىء.
مازالت سوريا أيها السادة هى الدولة المحورية فى قضايانا العربية، مازال الجيش السورى يمثل رقماً صعباً فى المنطقة، مازالت دمشق قبلة الثقافة والحضارة فى الذاكرة العالمية ككل، مازالت الأرض السورية تمثل حالة خاصة للضمير العربى، شئنا أم أبينا، كدولة فلسطين سواء بسواء، مهما بلغت درجة العداء أو الاستعداء مع هذا النظام أو ذاك.
الأمر من كل جوانبه فى حاجة إلى إعادة نظر، إسرائيل نبت شيطانى فى المنطقة، لم ولن يتغير، العلاقات المضطردة معها، لسبب ودون سبب، هى بمثابة تأكيد على الاحتلال والتسليم به، الأرض هى الكرامة فى التراث، كما فى الذاكرة، كما فى الأخلاقيات العربية ككل، التاريخ لن يرحم أبداً أولئك الذين فرطوا فى الأرض، كما سوف يطاردهم القانون، وتصب عليهم اللعنات، التفريط فى الجولان، كما فى القدس، هو تفريط فى الكرامة العربية، ناهيك عما يمثله فى المستقبل من وهن وضعف، نعمد بكل بساطة إلى تصديره للأجيال المقبلة.