x

جمال الجمل بلد الأطلال* جمال الجمل السبت 30-04-2016 22:44


(1)

حين طلبت منا (نحن القراء) أن نكتب لكى تنشر ما يصلح، ظننت أنك تريد أن نجاريك في التعليقات، والتفاعل مع الأحداث الجارية، وهذا أنت تغينا عنه بجدارة واحترافية، لكنك أوضحت أكثر أن الكتابة مطلوبة لذاتها، لنشر الإبداع، وللتنوع ولإعطاء الفرصة لكل مبدع أن يعلن إبداعه على الملأ.

(2)

الأمر فعلا محير ليس لعدم وجود موضوع، لكن لكثرة الموضوعات التي يمكن أن نكتب عنها، فأنا مثلا أستطيع أن أكتب عن الفكر الدينى من وجهة نظرى، وأستطيع أن أبدى رأياً سياسياً في قضايا حياتنا الكارثية، لكنى أفضل أن أجمع بين عدد من الموضوعات التي تمس الأمور المهمة في حياتنا، لأنني أعتقد أن كل القضايا مترابطة، وتأتى من معين واحد، هو الإنسان، وتنعكس عليه أيضا، ولما كان الإنسان كائن مركب له عقل وعاطفة ومنظومة سلوك، فمن الطبيعي أن تنتظم هذه العوامل المتعددة في عقيدة حاكمة ومهمة هي الدين.

(3)

الدين كموضوع وأسلوب حياة، يملأ ويطبع حياة المصريين (مسلمين ومسيحيين)، ولهذا يبدأ الجميع يومه باستهلالات ذات طابع ديني مثل: يا فتاح يا عليم.. يارزاق يا كريم، لكن يبقى السؤال: أين المشكلة في ذلك؟

(4)

المشكلة تأتى من نوعية التدين، واختلاف طبائعها من مرحلة إلى أخرى، وهذا الاختلاف والتغير يلقى بظلاله على فكرنا وطريقة ممارستنا للحياة، فهناك مثلا من يرى أننا جميعاً «سلفيون» من دون أن نعلن ذلك، وأنا أتفق مع أصحاب هذه الرؤوية، وأرى أن ذلك هو أصل مشاكلنا كلها.. الفكرية والثقافية والعلمية، فنحن من الشعوب المشحونة بالحنين إلى الماضى، ونتوهم دائماً أنه كان جميلاً، ففى السياسة هناك من يتوهم روعة الحياة في مصر الملكية، ومن يباهي بعظمة الستينات، وهناك من يذهب بعيداً إلى تاريخ الأسلاف الأوائل في مصر القديمة، بل لدينا من يتحدث عن عظمة مصر تحت الاحتلال الأجنبي فيشيد بالحملة الفرنسية ودورها التنويري، أو يمدح سلوك وانضباط الخواجات في عصر الاستعمار البريطاني، إضافة إلى السلفية الدينية، حيث يتوهم أصحابها أيضا عظمة القرون الثلاثة الأولى في صدر الإسلام.

(5)

بكل صراحة أقول إن السلفية وطريقة التفكير «الماضوي» من أخطر أسباب تخلفنا ماديا واخلاقياً، ولا أظن أنني أحتاج للتدليل عل ذلك، لأن الهوس بالماضي وأمراض الحنين متاحة لكل من يتابع الميديا، ومقالات المحترفين، وتدوينات الهواة، وتقيؤات البعض على منابر التواصل الاجتماعي، بخاصة الفيس بوك.

(6)

يزعمون في الغرب أن الشرقيين (المسلمين تحديداً) غير مبدعين إلا فيما ندر، ويرجعون ذلك إما إلى دينهم نفسه، أو كاستعداد وراثي وصفات جينية، وهذا ما أختلف مع أسبابه وأتفق مع أعراضه، فنحن فعلاً غير مبدعين، لكن الأسباب التي يقدمونها في الغرب عنصرية وخاطئة، فالمسلمون غير مبدعين لأنهم سلفيون فكرياً، وأسرى للقديم، ويحكمون على كل بدعة بأنها ضلالة، وهذا ينسحب على كل شئ في الدنيا، وليس في الأمور التعبدية فقط، وإذا نظرنا للسياسة وأمور الحكم فنجد أننا مع السائد أيا كان، ومرجعية الحكم عندنا لم تتطور منذ قرون فهي إما دينية أو عسكرية، أو خليط بينهما، فنداء الخلافة المزعوم هو مجرد حنين سلفى للماضى من منطلق دينى، كما أن «قداسة» أو «هيبة» القوة العسكرية مجرد ميراث قديم يبرر الخضوع لمن يملك السيف.

(7)

وأخيراً، فإننا يوم أن نتخلص من النمط السلفى فكرياً وعلمياً وأخلاقياً، سنكون قد بدأنا الطريق نحو المستقبل.

.......................................................

* المقال للدكتور: أحمد محمد متولى

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية