x

عبد الناصر سلامة خطف الأطفال عبد الناصر سلامة الجمعة 29-04-2016 21:28


نحن هنا لا نتحدث عن اختفاء قسرى، الاتهام فيه موجه إلى وزارة الداخلية مثلاً، قد تعترف به، وقد لا تعترف، وقد تؤجل الاعتراف لأسباب تراها فى خدمة القضايا المفتوحة والمغلقة، أو التى سوف يتم فتحها مستقبلاً، نحن هنا لا نتحدث عن اعتقال متظاهرين، لسبب ودون سبب، فقد شاهدنا فيديوهات لَمّ الناس من الشوارع إلى البوكس مباشرة، العاطل والباطل، نحن هنا لا نتحدث عن تعذيب بالسجون، سوف تنكره عصابات التعذيب، على اعتبار أن آثار التعذيب على أجساد المساجين، إنما هى من فِعل الجان والعفاريت، الذين يقتحمون عليهم منامهم وأحلامهم، فتتحول بقدرة قادر إلى كوابيس من الضرب المبرح.

نحن هنا نتحدث عن تلك الظاهرة الكارثية فى المجتمع، التى لم يعد ينتبه لها أحد، فى ظل ما يجرى على الساحة من أمور بيع وشراء وتنازل، أو أمور دولارات وأسعار وغلاء، أو أمور نصب واحتكار وفساد، نحن نتحدث عن قضية اختفاء الأطفال، التى أصبحت ظاهرة، لا يجب الصمت أمامها أكثر من ذلك، كل مواقع التواصل الاجتماعى بها ما بها من دموع وشجون وآلام وآهات، كل الصحف كذلك، الإعلانات بالشوارع أيضاً، ناهيك عن المحاضر بأقسام الشرطة، هى دموع أمهات، وآهات آباء، من المؤكد أن أعينهم لا ترى النوم، لا ليلاً ولا نهاراً، وسوف تظل كذلك مدى الحياة، إلا إذا ما عاد طفلهم أو طفلتهم.

معظم الروايات تتحدث عن خطف من أمام المنزل، معظم الروايات تؤكد أن هناك عصابات متخصصة، هناك مافيا قد تكون دولية، هناك تجارة مربحة فى هذا الصدد، قد يتم تهريبهم إلى الخارج، قد يتم بيعهم بالداخل فى اتجاهات كثيرة، قد يتم بيعهم كقطع غيار بشرية «مع الاعتذار عن التعبير»، قد يتم استخدامهم فى أمور كثيرة فيما بعد، غير شرعية فى كل الأحوال، تسول وتشرد وسرقة وخلافه، وهناك أكثر من ذلك فى حوزة الأجهزة الأمنية بالتأكيد.

للأسف أرى أن هذه القضية، رغم خطورتها، لم تَنَلْ حقها من الاهتمام، لا أمنياً، ولا إعلامياً، ولا اجتماعياً، لا من الجهات الرسمية، التى اعتادت الترهل، ولا من منظمات المجتمع المدنى، التى انغمست فى الشأن السياسى، هذه القضية كان يجب أن ينتفض لها المجتمع، كل المجتمع، كان من المهم أن تفرد لها الصحف صفحات يومية، تخصص لها برامج الفضائيات الليلية سهراتها، كان يجب إنشاء إدارة متخصصة بوزارة الداخلية لهذا الغرض.

هذه هى الحقيقة أيها السادة، نحن أمام قضية لا تقل خطورة أو أهمية عن قضايا المخدرات، أو الآداب، أو النشل، أو حتى الإرهاب، بل على العكس، قد يكون هؤلاء الأطفال نواة لكل ذلك فى المستقبل، ولِمَ لا؟! من هنا تأتى أهميتها من كل الوجوه، آباء وأمهات وعائلات بأكملها يعتصرون ألماً، ومجتمع مُهدَّد الآن ومستقبلاً، لا يرى سوى تحت قدميه، لا ينظر إلى الأفق البعيد، قد يكون بعض الجهد الإضافى الآن فى كشف أبعاد هذه الكارثة، تخفيفاً لأحمال أمنية واجتماعية ثقيلة فى المستقبل.

فى هذه المرحلة الراهنة، بالغة التعقيد، اجتماعياً واقتصادياً ومعنوياً، أصبح من الصعب على الأم المصرية حراسة طفلها أو طفليها طوال الوقت، أصبح من الصعب التوفيق بين عملها وزوجها ومنزلها والمدرسة والدروس الخصوصية والأسواق والمواصلات وحركة الشارع واللصوص، إلى غير ذلك من أوضاع هى فى حقيقتها كوارث يومية، أصبحت الأم المصرية فى حالة نضال وكفاح طوال اليوم الذى لا يكفيها فيه 24 ساعة لإتمام متطلباتها.

من هنا أصبح من الصعب توجيه تهمة الإهمال لها مع الأب أيضاً فى هذا الصدد، فقد يغادر المنزل فجراً، ولا يعود هو الآخر سوى مع منتصف الليل، هى المعاناة اليومية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ليس معنى ذلك أننا نعيش فى غابة، يجب أن نتحفظ فيها على أبنائنا فى صناديق حديدية، خوفاً من أُمنا الغولة مثلاً، أو أن نربطهم بسلاسل داخل وخارج المنزل.

أيادى اللصوص امتدت مبكراً إلى الحضَّانات بالمستشفيات، منذ لحظات الولادة الأولى، كان الدافع هنا تلك الأسرة التى تبحث عن طفل، انتُزعت الرحمة من قلب تلك السيدة، أو ذلك الرجل، ففعلا ما فعلا، الأمر تطور إلى خطف الأطفال من أمام المدارس، أو الأندية أو ما شابه ذلك، كلها فى النهاية كانت حالات فردية، لا ترقى أبداً إلى اعتبارها ظاهرة.

نحن الآن أمام ظاهرة يومية، شملت كل محافظات مصر تقريباً، نحن أمام عصابات منظمة كما هو واضح، كان يجب اختراقها منذ بداياتها، كان يجب التعامل معها على حجم الجُرم والجرح الذى تسببه للمجتمع، لذا أدعو وزير الداخلية إلى تعليق لوحة كبيرة بمكتبه، توضع بها صور كل الأطفال المختفين، علّه يشعر بحجم الكارثة كل صباح، فيتابع تطوراتها بنفسه أولاً بأول، وأعتقد أن هذا أقل ما يجب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية