x

عبد الناصر سلامة الفاتحة عبد الناصر سلامة الأربعاء 27-04-2016 21:13


فى الاتفاقيات الودية، كما فى الأعراس، جرت عادة المصريين على قراءة فاتحة الكتاب، هى بمثابة بدء السير فى الإجراءات، الخطوة التالية سوف تكون كتابة العقد، عقد البيع والشراء، أو عقد الزواج، أو إتمام الاتفاق بصفة عامة، المهم أن الفاتحة كانت بمثابة ربط كلام، ربما فى التخلى عنها لاحقاً نوع من الفساد الأخلاقى، قد يصاب صاحبه يوماً ما بغضب إلهى، أو بلاء من أى نوع، هكذا ينظر أهل الخير إلى القضية طوال الوقت.

تراجَع هذا الأمر على أيدى المشتغلين بالمجال السياسى، تحديداً فى قواعده الدنيا، انتخابات المجالس المحلية كما تحالفات الانتخابات البرلمانية لعبت دوراً كبيراً فى ذلك، الشأن السياسى فى الأقاليم بصفة عامة، من انتخابات وتحالفات وتربيطات، نظراً لخراب الذمم فى هذا المجال اعتبر البعض أن «الفاتحة مفتوحة» أو هكذا أطلق عليها من اعتاد التراجع، أو النكوص عن العهود.

نادراً ما أصبح هناك ما كان يُطلق عليه فى السابق «كلام رجالة»، الأمر تطور إلى كلام «فض مجالس»، أصبح هو المصطلح الأكثر شيوعاً، ربما الأسباب فى ذلك كثيرة، أهمها تراجع الوازع الدينى، تراجع الوازع الأخلاقى، اتساع المجتمعات، التعامل مع الحضارة من منظور مادى، الفاتحة وكلام الرجالة على السواء كانا مرتبطين بالكلام فى الخير، أو فى الاتفاق على فعل الخير، لا يجوز مثلاً قراءة الفاتحة على اتفاق بالقتل، أو كلام رجالة على اتفاق بالغدر، أو كلاهما على أى أمر سلبى.

المهم أن هذه القضية إجمالاً وتفصيلاً تطورت الآن بتطور وسائل الاتصال، أو بتطور المصطلحات، أصبحت قراءة الفاتحة على كل شىء وأى شىء، لم تعد تتوقف قراءتها عقب وفاة هذا القائد، أو ذاك الزعيم، أصبحت تتم قراءتها حال الحياة، فى إشارة إلى أنه انتهى شعبياً لدى هذا الفصيل، أو سياسياً لدى ذاك التنظيم، ربما إكلينيكياً لدى هذه الدولة أو تلك، أصبح البعض يردد أن الولايات المتحدة قرأت فاتحة هذه الدولة، أى قررت فرض عقوبات عليها أو حتى اجتياحها.

لا هؤلاء ولا أولئك يدركون ماهية الفاتحة، إنما هى مصطلحاتنا نحن، التى أصبحت شائعة هذه الأيام، قد تكون الفاتحة مفتوحة لدى الأشرار المحليين، إلا أنها مغلقة تماماً لدى هؤلاء الأعاجم، جميعهم فى الحالتين أشرار، إلا أنها لدينا قد تُقرأ على عجل، دون دراسات مسبقة، بالتالى يمكن التراجع، أما لديهم فإن الوضع يختلف، المعطيات ثابتة، كما المصالح هى الأهم، بالتالى أياً كان حجم التكلفة لابد من تحقيق الهدف.

أراها تُقرأ كثيراً هذه الأيام، بل قُرِئت بالفعل، داخلياً وخارجياً، لا أحد يحاول الانتباه، لا أحد يحاول احتواء الموقف، ربما كتابة العقد النهائى تحتاج إلى الكثير من الوقت، أو القليل من الإجراءات، هى فرصة لتدارك الأمر، لتصحيح المواقف، للاعتراف بالأخطاء، بالتأكيد فى هذه الحالة سوف تكون الفاتحة مفتوحة فى الداخل، وهو الأمر الأهم، سوف نضع الخارج فى مأزق، قد يعيد النظر فى أمور كثيرة، قد يضطر إلى ذلك، بل من المؤكد أنه سيضطر.

فى بلادنا يقولون: من لم ير من الغربال فهو أعمى، الغريب أن ما نحن فيه الآن ليس غربالاً، هو بوضوح الشمس، مع ذلك هناك من لا يرى، هو فى الحقيقة لا يريد أن يرى، المشكلة أن الإعصار لا يصيب شخصاً بعينه أبداً، (واتقوا فتنةً لا تُصِيبَن الذين ظلموا منكم خاصة...)، لذا فسوف نظل نناشد ونؤكد أهمية الرؤية الجيدة فى هذا التوقيت، رؤية قُراء الفاتحة فى الداخل والخارج، هم يتزايدون بصفة يومية، الفاتحة بهذا المعنى المشار إليه أصبحت تُقرأ ليلاً ونهاراً، على كل المستويات، ومن كل الأعمار.

لا يمكن، بأى حال من الأحوال، الارتكان أو الاعتماد على من لم يعتادوا قراءة الفاتحة، هم أساساً لا يجيدون قراءتها، هم فقط اعتادوا ترديد كلمة «آمين» فى كل الأحوال وفى كل المواقف، سواء قبل قراءة الفاتحة أو بعدها، على الرغم من أنه لا يجوز النطق بها إلا فى نهاية السورة، لذا هم يتسببون دائما وأبداً فى توريط الإمام، بل يتسببون فى إبطال الصلاة، فى النهاية سوف يقذف المصلون الإمام بالحجارة، ربما بالقباقيب، كشجرة الدر، فى الوقت الذى يُهرع فيه قوم تُبَّع هؤلاء إلى خارج المسجد، فلا هم دافعوا عن الإمام، ولا حتى عن موقفهم.

الوضع أيها السادة جد خطير، لنبدأ من جديد قراءة الفاتحة، لكن على فعل الخير، لما فيه الصالح العام، ومن باع أو ابتاع قسراً، هو فى حِل من أمره، ومن خَدع أو خان فهو إلى التوبة أقرب، ولنردد «آمين» فى نهاية الأمر، ولكن بصوت واحد، فهى لا تصح ولا تجوز إلا بصوت جماعى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية