x

عبد الناصر سلامة ازدراء البرلمان عبد الناصر سلامة الثلاثاء 26-04-2016 21:16


ناهيك عن الطريقة التى تُدار بها جلسات البرلمان على مدى مائة يوم، ومدى التوتر والديكتاتورية، وفصل هذا، وطرد ذاك، والتهديد بالطرد، والتحويل للتحقيق، والحرمان من الجلسات، وأسلوب مدرس الفصل فى أولى ابتدائى، إلا أن الأكثر غرابة هو ما يسميه بعض المتحذلقين الآن «ازدراء المجلس»، ورفع دعاوى قضائية تحت هذا العنوان، وجمع توقيعات وما شابه.

الأعضاء داخل المجلس، لسبب أو لآخر، يتحملون هذا الأسلوب فى الإدارة، لا ينتفضون بشكل جماعى مادام اصطيادهم يتم بشكل فردى، كنت أعتقد أننا سوف نجد من بينهم الكثيرين ممن لن يوافقوا على هذه الأساليب، فيتقدموا باستقالاتهم طواعية، فردية أو جماعية، إلا أن المواطن العادى، المتابع لما يجرى، لم يستطع السيطرة على نفسه، أخذ يعبر عن رأيه بطريقة أو بأخرى، كيف لنا أن نطالبه باحترام مجلس هكذا شكله العام، هكذا أداؤه، مجلس وافق على بيان الحكومة فى الوقت الذى تتزايد فيه حالة الاحتقان بالشارع جراء سياساتها.

الأكثر غرابة أن الاعتراض على ازدراء مجلس بهذه التركيبة، أو بهذه الإدارة، يأتى فى الوقت الذى يطالب فيه هؤلاء المعترضون تحديداً بإلغاء المادة الخاصة بازدراء الأديان من الدستور، أى أن من حق أى أحد، عاقلاً كان أو غير عاقل، أن يزدرى الأديان، أو الرسل، أو الصحابة، إلا أنه ليس من حق أى عاقل ازدراء البرلمان، أو أعضاء البرلمان، هى الكوميديا والدراما فى آن واحد.

من أول أيام انعقاد البرلمان، ورأينا مَن يحلف بالطلاق، ومَن يضرب بالحذاء، ومَن يتطاول على آخر، ومَن ينسحب، ومَن يُطرد، ومَن يُفصل، ومَن يتحدث فى الهاتف، ومَن يُسلى نفسه باللب والفستق، ومَن يُجرى حواراً عاطفياً، رأينا نسبة غياب غير مسبوقة أثناء الجلسات، نسبة انسحاب وتسلل مرتفعة خلال الانعقاد، تأخير انعقاد الجلسات بصفة شبه يومية حتى تأتى مجموعة نواب، التشيرتات وأزياء السوبرمان والباتمان، الموافقة على 341 قانونا خلال أسبوعين، 10 سفريات خارجية، وما خفى كان أعظم، بعد أن تم منع إذاعة الجلسات على الهواء.

أىُّ ازدراء بعد ذلك، نحن أمام مجلس يزدرى نفسه طوال الوقت، لماذا نعيب على الآخرين حال تعبيرهم عن رأيهم؟!، هؤلاء الآخرون هم الذين انتخبوا هؤلاء الأعضاء، من حقهم مراقبتهم طوال الوقت، من حقهم تقييمهم بصفة يومية، سوف يتقدمون للترشح مرة أخرى ببيانات بطولية زائفة، لقد فعلنا وفعلنا وفعلنا، هم فى الحقيقة كانوا ممنوعين من الحديث، ممنوعين من التعبير عن أبناء الدائرة تحت سطوة أستاذ الفصل، الذى خاطب أحدهم مؤخراً قائلاً: الدور عليك، فى تهديد واضح وصريح، كان لا يجب أن يقبله العضو، بل ولا كل الأعضاء، إلا أنه الانبطاح.

حينما يصل الانبطاح أيها السادة إلى نواب الشعب، فهى الكارثة بعينها، على مَن يعتمد الشعب إذن فى التحاور مع المسؤولين، شاهدنا أحد مذيعى الفضائيات أخيراً وهو يهدد النواب: «اللى هايرفض اتفاقية التنازل عن الجزيرتين هنعرفه، وهنعرف اسمه، وهيشوف هيحصل له إيه»، ما موقف النواب، ما موقف رئيس المجلس، ما موقف الازدراء، ما موقف المتحذلقين، ما موقف الدولة عموماً؟، لم ينتفض أحد، انتفضوا فقط حينما أعلن أحد المحامين حصر أسماء النواب الذين سيوافقون على الاتفاقية.

أعتقد أننا أمام مأساة سوف يسجلها التاريخ، بل لقد سجلها بالفعل، العشرات من الأعضاء مهددة عضويتهم بالفعل جراء طعون قوية، العشرات عبروا عن امتعاضهم من عدم منحهم فرصة الحديث خلال الجلسات، العشرات تراودهم أنفسهم بالانتفاض داخل المجلس، قال لى أحدهم: لم أعد أحترم نفسى، وإن المسألة وقت ليس أكثر، الناخبون فى الدوائر يتندرون على ممثليهم، الطلبات الخاصة لأبناء الدائرة كانت دائماً وأبداً حلقة الوصل القوية مع النواب، الحكومة ليس لديها الآن ما تمنحه، لم تعد هناك وظائف، كما لم تعد هناك أموال يمكن من خلالها منح اعتمادات إضافية لهذا المشروع أو ذاك.

الازدراء إذن هو الوسيلة الأكثر تهذيباً فى التعبير عن الرأى تجاه ذلك الذى يجرى، لم يطلب أبناء الدوائر الانتخابية حتى الآن طرح الثقة فى هذا النائب، أو الاستفتاء على آخر، لم يوبخوه أو يتعاملوا معه بعنف، أو أى شىء من هذا القبيل، لم يطلبوا منه الاستقالة، أو الاعتراف بالفشل، هم فقط يقولون: عوضنا عليك يا رب، حسبنا الله ونعم الوكيل، ربنا ع الظالم، ربنا ينتقم من الفاشل.

إذا كان ذلك هو الازدراء فلن يستطيع أحد منعه أو السيطرة عليه، كان من السهل السيطرة على المنابر، خلال خطبة الجمعة، بمنع الدعاء على الظالمين، لأن خطيب المنبر ينتظر راتباً فى نهاية الشهر قد لا يجده، لكن كيف يكون الوضع إذا ردد الناس فى الشوارع والحارات والأزقة: اللهم أَهلِك الظالمين، ماذا إذا أصبح ذلك هو الهتاف الرسمى يوما ما؟، بالتأكيد كلما ضاقت حلقاتها على الناس، سوف يتوجهون إلى المولى سبحانه وتعالى، علها تُفرج، وأراها تفرج بإذن الله، دون حاجة إلى ازدراء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية