x

محمد علي إبراهيم أولادنا.. وتعليم الكوسة والباذنجان! محمد علي إبراهيم الأربعاء 27-04-2016 21:15


لاشك أن أولادنا فلذات أكبادنا.. ليس هناك أغلى منهم.. هل راقبناهم وهم يكبرون.. تبدلوا من الضحكة الحلوة إلى التكشيرة والسرحان.. وهم صغار تجلجل "قهقهاتم" في السماء فترقص قلوبنا طربًا.. لكنهم يتغيّرون بعد الدراسة.. كانوا يشعون أملا وحبا وبراءة.. وتغير حالهم.. ملائكة الرحمن الصغار هم زادنا وطاقتنا الإيجابية لمواجهة تحديات الحياة.. من أجلهم نتلذذ بالسهر والتعب.. قالت زوجتي مرة إن حفيدنا جعل الحياة تدب في جسدها الذي أنهكته الأمراض.. نقاؤهم يشجعنا أن الدنيا مازالت بخير.. روحهم الطيبة تزيل الهموم.. عنادهم وتدليلنا.. دائما ما ينتهي الحوار لمصلحة الديكتاتوريين الصغار.. يعصون أوامرنا فلا نغضب.. سرهم أنك ترى قطعة منك تتحرك أمامك.. تقفز فتضحك.. تبكي فتظلم الدنيا أمام عينيك.. بدونهم لم نكن لنحتمل هذا الزمن السيئ الذي فجر أسوأ ما في المصريين.. براءتهم تؤكد أن المستقبل يمكن أن يكون أفضل.. يداوون جراحنا بكفوفهم الملساء الطيبة تربت علينا.. الأطفال يحتمون بنا.. يحبون بلا غرض.. صرحاء.. لا يتلونون ولا ينافقون.. ربما يكذبون.. ونغفر لهم.. لكن أحفادنا بمجرد دخولهم المرحلة الابتدائية يتغير سلوكهم.. شيء ما يتغير فيهم والسبب الوحيد هو مناهج التعليم وأسلوب الحفظ والتلقين.. ينتباهم العبوس والسرحان والإرهاق والقلق.. أعرف صديقا أصيب ابنه بضغط الدم في سن 12 عاما.. كنت أتمنى لهم أن ينالوا حظًّا من التعليم أوفر منا.. لكن للأسف تعليم الستينات الذي حضرناه أثبت أنه الأبقى والأفضل والأكثر تطورا.. المدارس الحكومية قدمت لمصر عباقرة.. الآن الموضة إنترناشونال.. بعضنا يرسل أولاده إليها من باب الفذلكة والوجاهة الاجتماعية.. والبعض الآخر يقترض متصورا أنها ستقدم الأفضل والأرقى وتقربنا من المستوى الأوروبي والأمريكي لكن هيهات.. لقد مر علي منذ أن عملت بالصحافة 1974 أكثر من 30 وزيرًا للتعليم.. كلهم يتحدثون عن التطوير وملاحقة العصر والمستقبل.. وفي حقيقة الأمر وبعد كل هذه السنوات تأكدت أنهم يصلحون لأي شيء غير التعليم.. المفروض أن الشيء الوحيد الذي أتمنى تقديمه لأحفادي هو تعليم جيد يجعل عيونهم تشع نورًا.. يعودهم على الابتكار والاختراع.. يأخذ بيدهم إلى مستقبل مشرق.. كنت أتصور أن العالم الذي يتطور بسرعة الصاروخ حولنا سيصيبنا بعض من قبسه.. لكن هيهات.. مازلنا نفضل الحشو والتلقين.. التعليم أصبح كحلّة المحشي.. كوسة وباذنجان.. تأكل ولا تعرف فوائدها.. ابتدائي وإعدادي وثانوي.. محشي.. تتناول نفس الطبق 12 عاما طوال مراحل التعليم.. مؤكد ستكره "المحشي" الدراسي.. كنت أريد تعليما يؤمن دماغ حفيدي.. يشجعه أن يكون له أسلوب خاص.. يبتكر فيه ما يميزه عن الآخرين.. لكن بمجرد أن ترى الحقيبة المدرسية التي يحملها على ظهره تدرك أن الأحلام شيء.. والواقع كابوس.. طفل في ثالثة ابتدائي يحمل يوميا حقيبة بها 10 كيلو جرامات كتب وكشاكيل ونماذج.. هذا البريء لم يكسروا عموده الفقري بمناهجهم فقط ولكنهم حطموا عقله واعتاد منذ الصغر أن يحفظ فقط! الحصيلة طفل بليد.. يتلقى دروسا خصوصية ليفهم أو يستنبط فاذا بهم يعلمونه بنفس طريقة المدرسة.. صباحا حفظ.. ومساء تسميع.. أحفادنا انتهى من عقلهم الحوار والإبداع.. تحولوا إلى ماكينات بأزرار تسجل تاريخ الثورة العرابية وتضاريس نيكاراجوا.. وتضرب 500 × 600 على 20 مليون أس 13.. العالم كله يدرس النظريات الرياضية والفيزيائية بالتطبيقات.. ونحن نصر على الحفظ.. الطلاب الأجانب يتوصلون للنظرية من خلال مسائل سهلة.. وبالتالي يفهمون.. من ثم فأولادنا تحولوا إلى كيس خضار.. يحشونه بمناهج تشجع على البلاهة وتقتل الإبداع.. لو انطفأت عيون الصغار وعقولهم ستنطفئ مصر كلها.. دعموا الأذكياء.. اعرفوا ميولهم منذ الصغر ونموا مهاراتهم.. إنهم عيون الحضارة ورمز البقاء والصمود.. ليس ضروريا 100% أو 102%.. البلد لن يكون كله مهندسين وأطباء.. نريد علماء وفنانين.. الطريق إلى ما نريد يمر عبر وزير تعليم فاهم يغير أسلوب التعليم إلى التفكير وليس التعقيد والحشو والتطويل.. سأحكي عن وزيرين شهيرين وكيف طورا التعليم من وجهة نظرهما.. الأول حسين كامل بهاء الدين الذي أصدر موسوعة اسمها "التعليم المشروع القومي لمبارك".. لاحظ لمبارك.. وليس مصر.. كيف طور التعليم؟ يمر يوميا على المدارس الحكومية ويتفقد الحمامات ودورات المياه.. غالبا ما تكون قذرة جدا.. يشمر ساعديه وبنطلونه ويحضرون له خرطوما وجردل مياه بمنظف ويشرع في غسيل الحمامات.. يصوره محررو التعليم.. ويفرح بصورته.. خصوصا عندما تشيد به سوزان هانم مبارك وتؤكد أنه "وزير شغال بضمير".. الثاني أحمد زكي بدر الذي عينه مبارك في 2009 وقد طور التعليم بالحضور والغياب.. من يتغيب أكثر من 10 أيام يفصل نهائيا ويحرم من الامتحانات.. إضافة إلى أنه طبّق الحس الأمني الذي ورثه عن والده المرحوم زكي بدر.. راقب المدرسين وأنشطة الطلاب.. ومنع دورات كرة القدم لأنها بلا فائدة.. حلو قوي.. أين التعليم الذي تطور.. أتمنى أن أجد وزيرا مستشاريه من أولياء الأمور وطلبة من كل المراحل التعليم.. بالتأكيد هؤلاء سيكونون أفضل ألف مرة من بتوع الفاكهة والخضار والكوسة الذين يستعين بهم لوضع المناهج.. ربنا يستر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية